تشهد بغداد في الأسابيع الأخيرة حالة من القلق الأمني والسياسي المتصاعد، على خلفية تقارير استخبارية غربية وإقليمية رجّحت أن تكون الأراضي العراقية مرشحة لتكون ساحة مقبلة لأي تصعيد إسرائيلي جديد، في ظل ما تعتبره تل أبيب نشاطاً متزايداً لـ"محور المقاومة" على الأراضي العراقية.

هذه التطورات لم تقتصر على المستوى الإعلامي أو الاستخباري، بل تزامنت مع مباحثات سريّة جرت بين بغداد وواشنطن، تناولت ملف "الاستهداف الإسرائيلي" وقانون الحشد الشعبي، في وقت شرعت فيه الحكومة العراقية بتحركات ديبلوماسية وعسكرية لتعزيز منظومة الدفاع الجوي، وسط انقسام على صعيد البرلمان والخبراء حيال جدية التهديدات وحدود قدرة العراق على تحييد نفسه عن المواجهة.

وتكشف مصادر برلمانية مطلعة لـ"النهار" أن جولة من المباحثات العراقية – الأميركية عقدت في بغداد الشهر الماضي، موضحة أن حكومة محمد شياع السوداني قدّمت خلالها إلى الجانب الأميركي "تقييماً أمنياً" يتضمن مؤشرات على وجود مخاطر إسرائيلية وشيكة. وبحسب المصادر، طلبت بغداد من واشنطن التدخل لعدم إدخال العراق في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، مقابل تجميد مسار قانون الحشد الشعبي في البرلمان. وأبدى البيت الأبيض استعداده للمساعدة، في إطار ما وصفته المصادر بـ"صفقة غير معلنة تحفظ مصالح الطرفين".

المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، رفض الخوض في تفاصيل الموضوع، واكتفى بتصريح مقتضب لـ"النهار" أكد فيه وجود "تقييم أمني" رفعته الأجهزة المعنية إلى رئيس الوزراء، مشدّداً على أن "الملف سريّ، ويخصّ القائد العام للقوات المسلحة، ولا يسمح بتداول المعلومات الواردة فيه".

ويؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، بدوره، أن التقرير الأمني الأخير تضمّن "تحذيرات صريحة" من استهداف العراق، الأمر الذي استدعى تحركاً عاجلاً من قبل الحكومة. ويوضح لـ"النهار" أن الإجراءات جاءت على مستويين: الأول تعزيز القدرات الاستخبارية والدفاعية، والثاني الاستعداد لردّ عسكري مباشر على أيّ اعتداء محتمل، بالتوازي مع حراك سياسي وديبلوماسي لقطع الطريق أمام أيّ خرق يمسّ السيادة الوطنية.

طلبت بغداد من واشنطن التدخل لعدم إدخال العراق في دائرة الاستهداف الإسرائيلي مقابل تجميد مسار قانون الحشد. (انترنت)

لكن الخبير الأمني والاستراتيجي مخلّد حازم يقدّم قراءة مغايرة، إذ يصف التسريبات المتعلقة بـ"التقييم الأمني العاجل" بأنها لا تتعدى كونها "تكهنات"، لافتاً إلى أن التقرير الاستخباري الأصلي لم يطّلع عليه سوى "فريق محدود مقرّب من رئيس الوزراء".
ويضيف حازم، في حديث لـ"النهار"، أن وجود قيادات من الحوثيين في مناطق جنوبي ووسط العراق يعزز من احتمال أن ترى إسرائيل في العراق ساحة استهداف مشروعة، باعتبار الحوثيين جزءاً محورياً من "وحدة الساحات"، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديداً وجودياً.
ويرى حازم أن إسرائيل، التي لم تتردّد في استهداف إسماعيل هنية في طهران، ثمّ قصف تجمع لوفد حركة "حماس" في الدوحة، تسعى إلى توسيع دائرة المواجهة لإفشال أيّ اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في غزة. ويضيف أن العراق بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشكّل إحدى الجبهات السبع التي يعتبرها عدواً في حربه الراهنة.
وتضمن التقرير الذي قدّمته أجهزة الاستخبارات العراقية والأمن الوطني إلى القائد العام للقوات المسلحة "تقييماً أمنياً عاجلاً" يرجّح أن تكون الجبهة العراقية الهدف المقبل لإسرائيل، في أي خطوة تصعيدية محتملة على صعيد المنطقة.
ويشير التقرير إلى أن تل أبيب تنظر إلى العراق بوصفه "عمقاً استراتيجياً لحزب الله اللبناني"، الأمر الذي يعزز دوافعها لاعتباره ساحة بديلة أو مكمّلة للمواجهة مع إيران.
إزاء ذلك، أعلنت الحكومة العراقية بدء تحرك ديبلوماسي ودولي واسع لبناء منظومة دفاع جوي حديثة، في خطوة تعكس إدراكاً رسمياً بخطورة المرحلة. ووفقاً لمصادر رسمية، فتحت وزارة الدفاع قنوات اتصال مع عدد من الدول الغربية والشرقية للحصول على منظومات متقدمة لمواجهة التحديات المرتبطة بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى.
ويرى مراقبون أن العراق، العالق بين ضغوط واشنطن وتل أبيب من جهة، وارتباطه بـ"محور المقاومة" من جهة أخرى، يجد نفسه أمام معادلة معقدة: إما تحييد الساحة العراقية عبر صفقات غير معلنة، أو الانزلاق إلى قلب مواجهة إقليمية مفتوحة قد تعيد تكرار سيناريو الضربات الإسرائيلية على الحشد الشعبي في السنوات الماضية، لكن هذه المرة في سياق أكثر خطورة وتداخلاً.