خريطة الطريق في السويداء: استجابة لمطالب الدروز بتحقيق دولي... ورفض الهجري قد ينقلب عليه

تصعيد جديد قاده الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء الشيخ حكمت الهجري، طال هذه المرّة السلطات السورية ومعها الأردن والولايات المتحدة ودولاً عربية وإقليمية، بعد رفضه الاتفاق الذي عقد في دمشق بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الأردني أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي توم برّاك، والذي نص على خريطة طريق لحل أزمة السويداء.
خريطة الطريق التي قامت على مبادئ "المحاسبة والمصالحة والشراكة"، حصدت تأييداً عربياً وإقليمياً، إذ رحّبت بها السعودية والكويت وتركيا وجامعة الدول العربية. لكن الهجري رفضها، من خلال اللجنة القانونية العليا في السويداء، ودعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لرفض الاعتراف بما وصفه "ترتيبات قسرية"، وطالب بدعم "حق السويداء بتقرير مصيرها".
وفي هذا السياق، لا بد من التطرّق إلى أبرز بنود خريطة الطريق:
أكّدت خريطة الطريق أن السويداء "جزء أصيل من سوريا ولا مستقبل لها خارجها"، ونصّت على إنهاء فجوة الثقة بين المحافظة ودمشق، وتحقيق دولي مستقل والتزام الحكومة بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، واستمرار إرسال المساعدات، وإعادة الخدمات، وسحب المقاتلين المدنيين واستبدالهم بشرطة تضمن عودة النازحين، وحماية طريق السويداء – دمشق، وإطلاق المختطفين، وإعادة بناء ما تضرر، ثم عقد لقاءات برعاية الأردن لتحقيق المصالحة.
إلى ذلك، تعهد الأردن والولايات المتحدة العمل مع الحكومة السورية والمجتمعات في السويداء للتوافق على ترتيبات أمنية وإدارية، أبرزها تشكيل قوة شرطة محلية، تضم كافة المجتمعات في المحافظة، وستكون هذه القوة تحت قيادة شخصية (من المحافظة) تعينها وزارة الداخلية. وستحدد المفاوضات تركيبة هذه القوة وتكوينها.
ويتوقف الكاتب السوري ابراهيم الجبين، في قراءته للاتفاق، عند "تحمّل الحكومة مسؤولياتها" من خلال دعم لجنة التحقيق الدولية والتعهّد بالالتزام بالنتائج ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات. ويشير، في حديث مع "النهار"، إلى أن هذا كان "مطلب" الهجري الذي "لا يثق" بالتحقيق المحلي. وبتقدير الجبين، فإن مسار المحاسبة هذا "يصب في صالح" السويداء و"استجابة" لمطالبها.
من التحقيق والمحاسبة إلى الشراكة الأمنية والإدارية. خريطة الطريق تعالج هاجس الأمن في السويداء، والاتفاق ينص على تشكيل قوات شرطة من أبناء المحافظة الدروز والسنة والمسيحيين. الجبين يرى في هذه العملية "مساراً طبيعياً" كون السويداء "جزءاً من سوريا"، وبالتالي التعاون بينها والحكومة مطلوب وطبيعي.
وتجسّد خريطة الطريق الموقف الدولي من ملف سوريا والسويداء. فالأردن يمثّل المجموعة العربية، والولايات المتحدة تمثّل نفسها والموقف الأوروبي، وفق الجبين، وهذه الرعاية الدولية هي الضمانات الأقوى لبعض أهالي السويداء الذين فقدوا الثقة بالسلطات الرسمية، فالولايات المتحدة "أكبر قوّة" عالمية، والأردن ممثل المجموعة العربية، وهذه ضمانات للسويداء وتطبيق الاتفاق.
كذلك، تلبّي خريطة الطريق مطالب السويداء، وبنودها السياسية والأمنية تخدم مصلحتهم، وبالتالي يُسأل الهجري عن رفضه الاتفاق. الجبين يرى في الرفض دلالة على "عدم إدراك" أهمية خريطة الطريق التي تضمن للدروز حقوقهم وتؤمن لهم الاستقرار والمستقبل، كون السويداء لا يمكن أن تستمر في الحالة التي تختبرها اليوم، وقد يحمل الرفض في طياته "قلقاً من محاسبة السويداء نفسها".
رفض الهجري قد ينقلب عليه داخلياً، وهذا ما يجمع عليه الجبين مع عدد من المصادر داخل السويداء تروي لـ"النهار" وجهة النظر المعاكسة للهجري، وهي تقول إن الهجري يرفض خريطة الطريق التي تضمن التحقيق الدولي والمحاسبة وإعادة السويداء إلى الدورة الاقتصادية والسياسية بدعم دولي، ولا يقدّم البديل وهو يعي أن الانفصال غير مقبول دولياً، وبالتالي "قد يفقد مصداقيته".
في المحصلة، فإن خريطة الطريق ستكون نقطة فارقة في ملف السويداء، وقد تشكّل منعطفاً لمجريات الأمور تبديلاتٌ داخلية في المحافظة الدرزية نسبة لما تتمتع به من توافق دولي، ولما تتضمنه من بنود يطلبها المجتمع المحلي.