سجن أبرز معارض سياسي في إقليم كردستان يثير سجالاً بشأن التنافس الديموقراطي

ينشغل إقليم كردستان راهناً بالأوضاع الأمنية ذات البعد السياسي داخله. فبعد أيام من القبض على رئيس حزب "جبهة الشعب" لاهور شيخ جنكي، أصدرت محكمة السليمانية في الإقليم حكماً بحق زعيم حزب "الجيل الجديد" شاسوار عبد الواحد بالسجن لمدة خمسة أشهر، ما أحدث نقاشاً وانقساماً في الأوساط العامة، بين من اعتبر ذلك تنفيذاً للقانون العام، وآخرين رأوه "تصفية سياسية" بأدوات السلطة ومؤسساتها.
الموضوعان تحولا إلى مادة للنقاش الداخلي، وحتى الإعلامي والسياسي العراقي، وعلّقت عليهما قنصليات وسفارات أجنبية عدة، لما لهما من تأثير على مستقبل العملية السياسية في الإقليم.
عبد الواحد، الذي يحوز حزبه ثالث أكبر كتلة في برلمان إقليم كردستان، كان قد حُكم عليه غيابياً قبل أشهر عدة، بناءً على شكوى رفعتها البرلمانية والقيادية السابقة في حزبه شادي نوزاد التي اتهمته بمحاولة "التجسس" على حياتها الخاصة عبر تركيب كاميرات مراقبة قرب منزلها، وابتزازها بقضايا شخصية في حال استمرارها في ترك التنظيم.
إلى جانب هذه القضية، رُفعت ضده دعاوى قضائية عدة أخرى، خصوصاً من وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم التي تتهمه بالتهرب من دفع 92 مليار دينار عراقي (نحو 62 مليون دولار أميركي) ديوناً مستحقة ومتراكمة على شبكة شركاته الاقتصادية. ولأجل ذلك صودرت عقارات تابعة له، تضم قطع أرض وفنادق ومطاعم ومنشآت سياحية، وقررت الحكومة عرضها في مزاد علني.
شقيقة القيادي المعارض ورئيس كتلة "الجيل الجديد" في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد، قالت إن صحة أخيها قد تدهورت في السجن، ووصفت الإجراءات المتخذة ضده بأنها "تعسفية وسياسية بامتياز"، محذرة من تحرك الشارع الكردي الذي "لن يصمت إزاء هذه الانتهاكات".
من جهتها، تؤكد رئيسة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في كردستان الدكتورة منى ياقو، لـ"النهار"، أنها زارت المعتقل للتأكد من ظروف سجنه ومحاكمته، وتضيف: "بقي عبد الواحد مصراً على قناعاته المعتادة، معتبراً نفسه مدافعاً عن حقوق مواطني كردستان في مواجهة الاستغلال وقطع الرواتب، معللاً اعتقاله بذلك السبب. وقد أبدى استغرابه من صدور حكم قضائي ضده، في وقت أن عنوانه العام في القرية الإيطالية في مدينة السليمانية معروف جداً، وهو يستقبل الصحافة والمسؤولين الأجانب بشكل شبه يومي".
تواصلت "النهار" مع أكثر من مصدر أهلي وسياسي، وأكدوا جميعاً استمرار عمل التنظيمات السياسية والإعلامية التابعة لحزب "الجيل الجديد" في مختلف المناطق، إذ لم يؤثر اعتقال زعيمه على أي من نشاطاتها، فيما تتواصل الحملة الانتخابية التي يستعد لها الحزب للانتخابات البرلمانية العراقية المرتقبة بأقصى مستوياتها.
وكان حزب "الجيل الجديد" قد صعد خلال السنوات الأخيرة في الحياة السياسية في إقليم كردستان، كأحد أبرز الأحزاب المعارضة، محتلاً المرتبة الثالثة في الإقليم، في مواجهة جذرية للحزبين التاريخيين "الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، وخصوصاً في مناطق نفوذ الأخير في محافظة السليمانية.
وينفي القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" محمود خوشناو، لـ"النهار"، أي علاقة لحزبه بقضية محاكمة رئيس حزب "الجيل الجديد" وإدانته، سواء في قضية التشهير التي رفعتها قيادية من حزبه، أو القضايا المالية التي ترفعها المؤسسات الحكومية.
ويقول خوشناو: "طوال السنوات الماضية، لم يسبق أن حاول شخص أو قيادي أو مؤسسة حزبية أو حكومية تابعة للاتحاد الوطني رفع أي دعوى ضد شخصية سياسية نظيرة. حتى بعض الخطابات التي ذهب فيها عبد الواحد نفسه إلى حد التهديد بقتل قيادي في الاتحاد الوطني لم تلقَ اهتماماً من قيادة حزبنا".
ويضيف: "بالتأكيد نستفيد من أخطاء بعضنا البعض كأحزاب سياسية متنافسة، لكن التسقيط والابتزاز عبر القضاء ليسا أمراً رائجاً بيننا. فقبل سنوات تمكنت حركة التغيير الكردية (كوران) من تحقيق نتائج بارزة في الانتخابات البرلمانية، ومع ذلك لم يُمس أي من أعضائها بسوء".