إخلاء حي السومرية… نموذج عن صراع الملكيات والتهجير في دمشق
شهد حي السومرية، الواقع بين المزة والمعضمية في دمشق، حملة إخلاء وُصفت بأنها الأوسع منذ أواخر عام 2024. وبحسب شهادات محلية وتقارير حقوقية، نفّذت مجموعات مسلحة ترتدي زيّ الأمن العام دهماً في الحي، وأبلغت الأهالي أنها تتحرك بتوجيه من "جهات عليا". وتحدثت المصادر عن اعتقالات طاولت مئات الرجال والشبان، بينهم قاصرون، واحتجازهم في مبنى فارغ، إضافة إلى اقتحام منازل ووضع إشارات "X" و"O" على بعض الجدران، اعتبرها السكان مؤشراً على نية الإخلاء أو الهدم. ولم يتسنَّ التحقق بشكل مستقل من هذه الروايات بسبب غياب التغطية الإعلامية المباشرة.

وبحسب روايات سكان، جرى تمزيق وثائق ملكية صادرة عن محافظة دمشق أمام أصحابها، مع مطالبتهم بالتوقيع على أوراق تنازل عن البيوت، وإعطاء مهلة لا تتجاوز 72 ساعة للمغادرة. وغادر بالفعل بعض العائلات، فيما بقي آخرون في حالة ترقّب، بينما تعرض مختار الحي وعدد من أعضاء اللجنة المحلية للتوقيف الموقت.
في المقابل، صدرت إشارات متناقضة من الجهات الرسمية. فقد أبلغت محافظة دمشق الأهالي أن عمليات الإخلاء "غير قانونية"، بينما أكدت عناصر ميدانية أنها تنفذ "أوامر عليا". ولاحقاً، نُقل عن وزارتي الدفاع والداخلية إصدار توجيه ببقاء السكان في منازلهم، لكن السيطرة ظلت بيد الفصيل المنفّذ. وحتى الآن، لم يصدر توضيح رسمي شامل يحدد طبيعة الإجراءات أو خلفياتها.
تداعيات ما جرى لم تقتصر على الحي. فقد تحدّثت روايات عن عائلات اضطرت للمبيت في الحدائق أو عند أقارب بعد مغادرتها منازلها، وعن ضغوط مورست على نساء وأطفال لتوقيع أوراق تنازل. ورغم صعوبة التحقق من التفاصيل، ساهمت هذه الأخبار في تعزيز شعور بالقلق وعدم اليقين بين شرائح مختلفة من المجتمع.
ويرى سكان أن الأحداث كشفت عن فجوة متزايدة بينهم وبين السلطات، مع تضارب المواقف بين التصريحات الرسمية وما يجري ميدانياً، ما عمّق الإحساس بانعدام المرجعية القانونية وترك الأهالي في حالة من الارتباك والخوف.
في البعد الطائفي، عبّر سكان أحياء يغلب عليها الوجود العلوي مثل المزة 86 والورود وعش الورور عن خشية من أن تكون السومرية بداية لخطوات مشابهة قد تطاولهم. وحذّرت شخصيات اجتماعية من أن تغذية مثل هذه المخاوف قد تفضي إلى توترات إضافية داخل العاصمة، وربما تنقل الانقسام الطائفي إلى قلبها.
من جهة أخرى، برزت أصوات من معضمية الشام تعتبر ما يحدث استعادة لأراضٍ وحقوق تمت مصادرتها في الثمانينات عندما وُزعت على ضباط الجيش وعناصر سرايا الدفاع. لكنها تُقرّ أن طريقة التنفيذ، إذا صحت الروايات حيال الاعتقالات والطرد المفاجئ، تولّد شعوراً بالظلم المتبادل وتزيد احتمالات الدخول في دائرة ثأرية يصعب الخروج منها.
كذلك، اعتبرت منظمات حقوقية سورية ودولية أن الحملة قد تتجاوز آثارها الجانب الإنساني المباشر لتطاول النسيج الاجتماعي للعاصمة. ورأت أن غياب مسار قانوني واضح لحل نزاعات الملكية والسكن يفتح الباب أمام تكرار تجارب مشابهة في أحياء أخرى، بما يفاقم أزمات الثقة والانقسام.
ويرى بعض التحليلات أن ما جرى قد يُقرأ في إطار مساعٍ لفرض نوع من "التجانس السكاني" في دمشق، بما يذكّر بسياسات الاستملاك وإعادة التوزيع التي عرفتها سوريا سابقاً، بهدف ضبط الخريطة الديموغرافية بما يسهّل التحكم الأمني والإداري. في المقابل، يحذّر آخرون من أن أي إخلاء قسري قد يعمّق عدم الثقة بين المكونات، ويدفع شرائح من المجتمع للتفكير بخيارات بديلة مثل الفيدرالية أو الإدارة الذاتية.
وتذهب قراءات أخرى إلى أن السومرية تعدّ مثالاً على تحوّل قضايا السكن والعقارات إلى أدوات سياسية في مرحلة ما بعد بشار الأسد. فقد شهدت مناطق مثل سهل الغاب وريف حماة والسويداء نزاعات مشابهة، ما يعكس غياب آليات عدالة انتقالية تعالج قضايا الملكية والتعويض، ويؤكد الحاجة إلى إطار قانوني يضمن الحقوق بعيداً من الحسابات الطائفية أو الأمنية.
ما جرى في السومرية يسلّط الضوء على إشكالية أوسع في سوريا الراهنة، وهي كيفية معالجة تركة عقود من نزاعات الأراضي والسكن، في ظل مؤسسات متضاربة التوجهات وروايات متباينة للأحداث. بالنسبة لمراقبين، الحادثة ليست مجرد واقعة محلية، بل مؤشر على مسار قد يتكرر في مناطق أخرى إذا لم تُعالج قضايا الملكية والتهجير وفق قواعد شفافة وقانونية.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستسعى السلطات والمجتمع السوري إلى بناء دولة على أساس القانون والعدالة والتعايش، أم أن الأحداث الميدانية ستدفع نحو ترسيخ واقع جديد يقوم على الإكراه وإعادة رسم الخريطة السكانية؟
نبض