الاستراتيجية التركية بين مركزية دمشق ولامركزية "قسد"

المشرق-العربي 22-08-2025 | 06:53

الاستراتيجية التركية بين مركزية دمشق ولامركزية "قسد"

رغم الاتّفاق الموقّع بين قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، فإن العلاقة بين الطرفين لا تزال في إطار التوازن الهش.
الاستراتيجية التركية بين مركزية دمشق ولامركزية "قسد"
عناصر من "قسد".
Smaller Bigger

يستمر الانقسام الأفقي الذي تشهده الحالة السورية بين مختلف مراكز القوى، والمتركّز بشكل أكبر بين دمشق والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد والسويداء جنوباً، في مشهد يتجاوز مجرد التباين في مراكز القوة، ليكون أقرب إلى تجسيد ثلاثة مشاريع سياسية متضاربة: مشروع دمشق الذي يصرّ على تجميع القوة في يد السلطة من خلال الدولة المركزية، ومشروع قسد الذي يهدف إلى تكريس لامركزية سياسية، والدور التركي الذي يسعى إلى هندسة المشهد بما يخدم مصالحه الإقليمية في ظل المنافسة الحادّة مع كل من تل أبيب وباريس في الملف السوري، وبدرجة أقل مع الدول الخليجية.
التوتر بين هذه القوى، الذي يتفاقم بفعل التدخلات الخارجية، يعرقل جهود التوصّل إلى حل دائم، مع اختلاف جوهري على شكل سوريا المقبلة.

استراتيجية دمشق وموازنة المصالح الإقليمية
رغم الاتّفاق الموقّع بين قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، بضغط أميركي، فإن العلاقة بين الطرفين لا تزال في إطار التوازن الهش، في ظل استمرار التباينات العميقة وفشل اللجان المشتركة في إدارة التناقضات.
تسعى دمشق إلى فرض سيطرتها الكاملة على سوريا تحت مظلة "وحدة الدولة المركزية". وتستند هذه الرؤية إلى ثلاث ركائز رئيسية: أولاً، استعادة السيطرة على المناطق الاستراتيجية في الساحل والجنوب. ثانياً، تحييد مشروع قسد للإدارة الذاتية، الذي تعتبره تهديداً لوحدة البلاد. ثالثاً، الاستجابة لضغوط تركيا التي ترفض مطالب اللامركزية، وتتخوّف من الدعم الغربي والإسرائيلي لهذه المطالب.
لكن الضغوط التركية تصطدم بالمساعي الأميركية، التي لا تزال ترى في "قسد" شريكاً في مكافحة الإرهاب، وبالمساعي الفرنسية التي تشدد على أن اندماجها في الجيش السوري ضمانة لاستقرار البلاد، وبالمساعي الإسرائيلية التي، وعلى خلاف القوتين السابقتين، لا تتهرّب من الاشتباك السياسي مع أنقرة في الساحة السورية، ورسم خطوط حمراء على تواجدها العسكري في جنوب البلاد.
أما في الداخل، فإن الإنهاك الاقتصادي الذي تعانيه حكومة الشرع، والتوازنات العسكرية السائدة على الأرض لجهة القوات التابعة لدمشق و"الجيش الوطني" في الشمال و"قسد" في شمال شرق البلاد وفصائل السويداء جنوباً، إلى جانب المعارضة الإقليمية والدولية لأي تحرّك عسكري قد يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا والمنطقة، يبعد احتمالات حسم الملف السوري عسكرياً.
على الجانب الآخر، تتمسك "قسد" بمشروعها اللامركزي، مستفيدةً من عناصر قوة عدة، منها الدعم الدولي وحالة الاستقرار السائدة في مناطقها، إلى جانب استقلاليّتها المالية بفضل سيطرتها على حقول نفط وغاز هامة. وتدرك قسد صعوبة الوصول إلى صيغة لامركزية سياسية كاملة مع وجود الفيتو التركي، إلا أنها تراهن على نجاح مسار السلام داخل تركيا في إحداث اختراق في علاقتها مع أنقرة.

 

عناصر من القوات الحكومية السورية.
عناصر من القوات الحكومية السورية.

 

سياسة تركيا المزدوجة
تتجلّى استراتيجية أنقرة متعددة الأبعاد في سوريا من خلال ثلاثة محاور أساسية، وتُعتبر الدافع الرئيسي خلف زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق في بداية آب/أغسطس الجاري.
أولًا، ترى تركيا في فرنسا شريكاً تاريخياً للأكراد، وتسعى لإبعادها عن أي وساطة في الملف السوري. وقد نجح فيدان في ذلك عبر الضغط على دمشق لإلغاء مشاركتها في محادثات باريس بحجة الاعتراض على كونفرانس الحسكة الذي نظّمته الإدارة الذاتية. هذا التحرّك أفشل دور الوساطة الفرنسية موقتاً، وعزّز موقع تركيا كطرف أساسي في أي مفاوضات مستقبلية بين دمشق وواشنطن.
ثانياً، تعتبر تركيا الممر الإنساني الذي اقترحته إسرائيل في السويداء "حصان طروادة" للتوسع في مناطق سيطرة "قسد"، وتسعى من خلال التنسيق مع دمشق إلى إفشال أي دور للإدارة الذاتية في ملف الجنوب.
ورغم معارضتها للقاء باريس بين الإدارة الذاتية ودمشق، فإنها لم تعارض توجّه الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية للتفاوض مع تل أبيب، في مرونة سياسية تركية تأخذ بالاعتبار قدرتها على التأثير في ملفات الأقليات، بناءً على حسابات التحالفات والقوى الداعمة لها، وقرب تلك القوى من حدودها ومدى تأثيرها على الداخل التركي.
ثالثاً، تستخدم تركيا أوراق قوة متعددة لفرض استراتيجيتها على مختلف القوى الفاعلة في سوريا. وفي حين تسعى أنقرة إلى تحقيق الاستقرار الداخلي عبر المصالحة مع الأكراد، تعمل على إبقاء حالة من الضغط المستمر على "قسد" في الخارج، ما يجعلها لاعباً قادراً على تغيير مسار الأحداث داخل تركيا وخارجها في أي لحظة.

"قسد" تبحث عن وساطة عربية
تؤكد كل من دمشق و"قسد" المنهكتين اقتصادياً وعسكرياً على ترجيح الحلول السلمية. فالحكومة السورية تدرك أن أي مواجهة عسكرية واسعة قد تستنزف قواتها وتزيد من عزلتها الدولية، بينما لا تستطيع "قسد" الدخول في مواجهة متعددة الأطراف.
وشهدت الساحة السورية خلال الأسبوعين الأخيرين حرباً إعلامية بين الطرفين، تجلّت بقرع الإعلام المتماهي مع رؤية دمشق لطبول الحرب من خلال التلميح بسيناريو مشابه لـ"فزعة العشائر" في السويداء في مناطق الإدارة الذاتية أيضاً، رافقها الحديث عن ضغوط أميركية - إقليمية على "قسد" للدخول تحت مظلة دمشق.
في المقابل، نفت وسائل إعلام تابعة للإدارة الذاتية، أو التي تدور في فلكها، وجود مثل هذه الضغوط، مفنّدة فرضيات الفزعة العشائرية من خلال التركيز على التحالفات داخل "قسد" بين المكوّن العشائري والأكراد.
في حديثه إلى "النهار"، يؤكّد مصدر مسؤول في الإدارة الذاتية استمرار التواصل بين الطرفين رغم نقاط الخلاف الكثيرة، مستبعداً بشكل قاطع "الخيار العسكري من قبل دمشق أو حلفائها".
يقول المصدر، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخوّل بالحديث في الملف، إن "الوساطة الأميركية - الفرنسية تعتبر ضامناً لعدم انجرار الطرفين إلى اشتباك مسلّح، لكن الوصول إلى اتفاق نهائي مع دمشق يتطلّب تفعيل الدور العربي الفاعل الكفيل بتقليل التأثير التركي".

ويضيف: "الإدارة الذاتية ترى الحل في وساطة عربية - غربية لتسهيل المحادثات، لأنها تعتقد أن التدخل التركي وضغوطه على دمشق تحول دون إمكانية إنجاز الاتفاق المأمول".

ويواجه المشهد السوري لحظة حاسمة. فبينما يفضّل اللاعبون الرئيسيون تجنّب الحرب الشاملة، فإن استمرار الجمود من دون حل سياسي حقيقي يعني أن المواجهة قد تكون مجرد مسألة مؤجلة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا