اتفاق وقف النار في السويداء أمامه تحدّيات... أولها الموقف الإسرائيلي

شكّل الإعلان عن التوصّل لوقف إطلاق نار في السويداء مفاجأة، لأن مسار الأحداث الذي أخذ منحى دموياً في اليومين الأخيرين والضربات الإسرائيلية التي تكثّفت لم تكن توحي بقرب الاتفاق، لا بل عكست جواً من التصعيد الذي قد يصل إلى سيناريوات أكثر تطرفاً، كالتقسيم والانفصال، إلّا أن المساعي خلف الكواليس خالفت التوقعات، مع الإبقاء على الحذر من احتمال انهيار الاتفاق كما حصل خلال المرّة الأولى.
بعض المرجعيات السياسية والروحية والاجتماعية الدرزية أصرّت على الاتفاق مع الحكومة السورية انطلاقاً من معايير عدّة، أولها الشرعية الدولية التي اكتسبتها السلطات الجديدة والتي ستضمن استمراريتها مبدئياً، وثانيها انعدام الخيارات واعتبار المشاريع الانفصالية "انتحارية" كونها لن تؤدي سوى للانعزال، وثالثها الخشية من استثمار إسرائيلي بالحالة الدرزية في مشاريع دموية.
بتقدير هذه المرجعيات، لا حل سوى بالتفاوض مع الحكومة والتوصّل لاتفاق يحفظ حق الدروز ويضمن اندماجهم بالدولة السورية، كون السلطات الجديدة باقية وقد طبّع معها الغرب والخليج، وإسرائيل لن تؤمّن بديلاً للدروز، خصوصاً أنها متجهة نحو التطبيع مع سوريا، إلّا إذا كان المشروع تقسيم جنوب سوريا وتشييد منطقة عازلة يكون الدروز أساسها، لكنه مشروع "انعزالي" وفق هذه المرجعيات.
أستاذ العلوم السياسية وليد صافي يرى في الاتفاق "الحل الأنسب"، كون المخارج الأخرى كالانفصال "تحمل تداعيات سلبية"، إذ لا عمق سياسياً واقتصادياً وجغرافياً للسويداء، وينطلق إلى رؤيته من أن التصعيد كان "انعكاساً لانسداد المسار السياسي" بين السويداء ودمشق، ليشير إلى أن الحوار "باب" نحو التوصّل لأرضية مشتركة قوامها فرض سلطة الدولة ولكن بعناصر دروز داخل المحافظة.
هذا النوع من الاتفاقات يحتاج لضمانات دولية كون الانتهاكات مرجّحة بالاستمرار، وفي هذا السياق، يقول صافي لـ"النهار" إن مسؤولية تقع على عاتق الدولة السورية والدروز في السويداء. وعلى تركيا والدول العربية التي تلعب دوراً في نهوض سوريا مسؤولية الضغط على الحكومة للالتزام بالحل السياسي ذي الشروط الواضحة والمقبولة من الطرفين والتي تضمن اندماج الدروز.
للمزيد: "النهار" تنشر بنود اتفاق وقف إطلاق النار داخل السويداء
اتفاق هش
لكن على المقلب الآخر، تتقاطع مصادر عديدة في السويداء على "صعوبة" ترميم العلاقة بين الدروز والدولة السورية بعد الانتهاكات الواسعة التي وقعت، وتشبّه الحال بالساحل السوري واستحالة عقد المصالحة بين السنّة والعلويين، ما يضع مصير الاتفاق والمحافظة في حالة من الترنّح والانتظار إلى أن يتحرّك المجتمع الإقليمي والدولي ويجد المخرج للأزمة.
ويسأل مصدر سياسي واجتماعي في السويداء في حديث لـ"النهار": "من يضمن عدم وقوع انتهاكات وعمليات ثأرية؟ وإذا دخلت القوات الحكومية إلى السويداء فمن يضمن عدم وقوع مجزرة جديدة؟"، لكن صافي يقول إن المصالحة تحققت في لبنان بعد الحرب الأهلية، ويمكن أن تتحقق في سوريا، لكن "المحاسبة أولى خطوات بناء الثقة".
لا مفر من التقسيم؟
يشير المصدر إلى تكثيف إسرائيل عملياتها في الجنوب السوري ودمشق، ويقرأها كمقدمة لتقسيم الجنوب المحاذي و"الاستثمار" بالدروز لتحقيق ذلك، ويلفت إلى أن وقف النار لا يعني وقف محاولات إسرائيل "تنفيذ مشاريعها في الجنوب السوري"، وفي السياق نفسه، يقول صافي إن هدف إسرائيل "إنشاء منطقة أمنية في الجنوب السوري بعمق 65 كيلومتراً تضم السويداء".
في المحصّلة، فإن السويداء أمام اختبار اتفاق هش لوقف النار، وأمام تحدّي التزام كل الأطراف به ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات من جهة، وتحدي الموقف الإسرائيلي من الاتفاق والخطط المستقبلية في الجنوب السوري، والتي من غير المرتقب أن تتغيّر بعد وقف النار، والعين تبقى على اليوم التالي في السويداء والأحداث المتسارعة.