الرجل الغامض في دمشق: من هو "أبو مريم الأوسترالي" الذي يقود سياسة الغفران؟
كشف موقع "إنتليجنس" الاستخباري الفرنسي، في إطار حديثه عن ملاحقة أموال بشار الأسد والقريبين منه قانونياً، عن وجود لجنة سرّية في القصر الجمهوري في دمشق، مهمّتها إجراء تسويات مع رجال الأعمال الكبار الذين كانوا داعمين للنظام السابق. وأشار الموقع إلى أن من يترأس هذه اللجنة هو شخص يُعرف بـ"أبو مريم الأوسترالي"، ما أثار تساؤلات عن هويته والأدوار التي لعبها سابقاً ضمن "هيئة تحرير الشام" قبل سقوط الأسد.
"أبو مريم الأوسترالي" ليس اسماً جديداً على الساحة السورية، لكنه لا يزال مجهولاً لدى الجمهور الأوسع. إلا أن المتابعين لنشاط الجماعات الجهادية وخبراء هذا الملف لا بدّ من أنهم سمعوا باسمه في سياقات متعددة، وإن كانت غير كافية لرسم صورة متكاملة عنه.
ويُعتقد أن الأوسترالي، وهو من أب لبناني وأم أوسترالية، دخل سوريا ما بين عامي 2012 و2013. وورد اسمه للمرة الأولى في تسريبات وتغريدات جهادية عام 2016، حين كان يشغل منصب "أمير القاطع الشمالي" في محافظة إدلب. وظلت هويته مجهولة حتى اليوم، على الأقل إعلامياً.
لكن البحث في المصادر المتاحة يقود إلى كمّ لا بأس به من المعلومات عن الرجل الذي قالت "إنتليجنس" إنه يقود "سياسة الغفران"، من خلال ترؤسه لجنة خاصة تابعة للرئاسة، يُقال إنها تُفاوض رجال أعمال كانوا المستفيدين الرئيسيين من النظام السابق، بغية استعادة جزء من ثرواتهم في مقابل السماح لهم بالعودة إلى النشاط الاقتصادي ضمن المنظومة الجديدة. كما أشار التقرير إلى أن الأوسترالي سبق له الإشراف على أموال "هيئة تحرير الشام" في إدلب، ويتولى حالياً إدارة تطبيق "شام كاش"، وهو منصة مالية رقمية مدعومة من الحكومة السورية.
ورصدت "النهار" تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن الأوسترالي عُيّن في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مسؤولاً عن ملف التقانة والاتصالات، خلفاً لأبو طلحة الحلبي الذي يُعتقد أنه اعتُقل أثناء محاولته الفرار إلى تركيا وبحوزته مبالغ مالية ضخمة. وهو ما يعزّز فرضية تولّي الأوسترالي الإشراف على "شام كاش"، رغم أنه لم يكن معروفاً من قبل كأحد أبرز المسؤولين الماليين في الهيئة، التي ضمّت في هذا المجال أسماء مثل أبو أحمد زكور وأبو عبد الرحمن الزُربة.
وكان الأوسترالي عضواً في "لجنة المتابعة العامة" التي كان يرأسها عبد الرحيم عطون، المفتي العام السابق لـ"تحرير الشام"، والذي يترأس حالياً "مكتب الاستشارات الدينية" في رئاسة الجمهورية.
وفي 13 تموز/ يوليو من العام الماضي، نشر حساب باسم المحامي عصام الخطيب على تلغرام، وهو منشق عن الهيئة وكان يشغل منصب قاضٍ عسكري بارز فيها، صورة قال إنها لأبو مريم الأوسترالي، مُعرِّفاً صاحب الصورة بأنه جهادي يُدعى إبراهيم بن مسعود، ومعلقاً بأنها التقطت في عفرين.

ورغم أن شهادة الخطيب تبقى غير حاسمة، إلا أن الاطلاع على حساب بن مسعود على "إكس" يُعزز هذه الفرضية، إذ يُذكر في ملفه التعريفي أنه أب لستة أطفال، يقيم في إدلب، ويعشق الشاورما. وهي معلومة ترددت سابقاً على ألسنة جهاديين مناهضين للهيئة، قالوا إن الأوسترالي كان يعمل "معلّم شاورما" قبل قدومه إلى سوريا.
ويبدو أن بن مسعود كان نشطاً على مواقع التواصل، مثل عدد من قادة الهيئة سابقاً كعبد الرحيم عطون ويوسف الهجر وأبو أحمد زكور والراحل أبو ماريا القحطاني. ومعظم تغريداته بالإنكليزية، وقد ظهر في أكثر من مقطع مصوّر وهو يتحدث بها بطلاقة. وفي أحد البودكاستات المنشورة على حسابه، قدّمه المستضيف على أنه لبناني-أوسترالي، جاء إلى سوريا قبل نحو 11 عاماً، ما يتوافق مع ما هو معروف عن "أبو مريم الأوسترالي".
ومع ذلك، لا تزال بعض الأوساط تشكك في أن يكون الأوسترالي هو من يتولى فعلاً ملفات التقنية أو المال. إذ تشير تقديرات إلى أنه قد يكون مجرد "واجهة" لجهادي بارز لا يزال يحتفظ بغموض كبير بشأن هويته رغم أدواره الواسعة داخل الهيئة من دون أن يشغل مناصب رسمية، ويُعرف بلقب أبو جعفر المصري.
ويفيد بعض المصادر بأن أبو إبراهيم الحمصي، وهو أحد أشقاء لطيفة الدروبي، زوجة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، يعد من أعضاء الدائرة الضيقة التي تساعد المصري في إدارة مهامه، ما يعيد رسم شبكة النفوذ داخل الهيئة وخارجها، ويمدّها بخيوط تصل إلى قصر الرئاسة ذاته.
نبض