المشرق-العربي 16-03-2025 | 10:55

الإعلان الدستوري في سوريا... من الفراغ إلى الجدل السياسي والانقسام

 الإعلان، الذي وقّع عليه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في جو من الاستعراض الإعلامي البروتوكولي، جاءت بعض بنوده تكراراً لمضمون الدساتير السورية السابقة، خصوصاً نسخة عام 1950، من دون أن تخلو من بعض "الهفوات".
الإعلان الدستوري في سوريا... من الفراغ إلى الجدل السياسي والانقسام
الشرع يوقع الإعلان الدستوري
Smaller Bigger

كما في كل حدث، قسّم الإعلان الدستوري الموقت السوريين بين مؤيّد من داعمي السلطة الانتقالية في دمشق، ومعارض ومنتقد لبنوده من فئات وشرائح واسعة في المجتمع، أبرزها "مجلس سوريا الديموقراطية"(مسد)، الذراع السياسية لـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا وخبراء حقوقيون ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم.

 

 الإعلان، الذي وقّع عليه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في جو من الاستعراض الإعلامي البروتوكولي، جاءت بعض بنوده تكراراً لمضامين الدساتير السورية السابقة، خصوصاً نسخة عام 1950، من دون أن تخلو من بعض "الهفوات" كما الحال بالنسبة إلى الالتباس بين مصطلحي الطول والعرض عند تحديد شكل العلم السوري وأبعاده.

أبرز المواد الغائبة
الإعلان الدستوري الموقت تضمّن مقدّمة وأربعة أبواب، ضم الأول منها الأحكامِ العامة في إحدى عشرة مادة، وخصص الثاني للحقوق والحريات في اثنتَي عشرة مادة، فيما فصّل الثالث شكل نظامِ الحكم وتوزيع السلطات ومهماتها في المرحلة الانتقالية في أربع وعشرين مادة، وست مواد للأحكام الختامية في الباب الرابع والأخير.

 

وعلى رغم الجدل في شأن تحديد الإسلام ديناً لرئيس الدولة، والفقه الإسلامي مصدراً أساسياً للتشريع، فإن المادتين السابقتين تعتبران تكراراً لما تضمّنه الدستور السوري لعام 2012، مع الاختلاف في الدوافع. فقد فسّر تضمين البندين في الدستور الماضي بأنه محاولة من الرئيس السابق لاستمالة الإسلاميين في البلاد مع بداية الحرب السورية، فيما ينظر إلى سياقهما اليوم باعتباره انعكاساً لإيديولوجيا السلطة الانتقالية.

 

لكن الإعلان الدستوري لم يحدد الشروط الواجب توافرها في شخص الرئيس والنوّاب الذين يعينهم شخصياً، ما يفتح الباب واسعاً أمام الاعتقاد بكونّه مصمماً على مقاس الرئيس الحالي أحمد الشرع، إلى جانب غياب إطار السيادة الشعبية، والاعتماد على صياغات فضفاضة للكثير من المواد.

 

ومع الإقرار ببقاء الإعلان الدستوري نافذاً إلى حين إقرار الدستور الدائم للبلاد، فإن آليات إقرار الدستور وطريقتها والجهة المخوّلة إقراره، ومسار الاعتراض عليه، بقيت غائبة عن متن الدستور الموقّت، إلى جانب تحديد صلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وقدرتها على ممارسة دورها الرقابي على دستورية القوانين والتشريعات الصادرة.

 

كما احتوت المادة 23 من الإعلان على تناقض بين "صيانة الدولة للحقوق والحريات" وبين "إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة"، في تعريفات فضفاضة ذات قابلية واسعة للتأويل وهو ما يتعارض مع أهم مبادئ الدستور.

 

وغابت عن الإعلان الدستوري أيضاً آليات مراقبة الرئيس  ومحاسبته، هو الذي منح حق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، من دون توضيح آليات تحديد الهيئة المناط بها اختيار الثلثين الآخرين، والوزراء الذين يعينهم، فيما بررت عضو لجنة  صوغ الإعلان د. ريعان كحيلان في تصريح إعلامي غياب آليات المحاسبة بسبب مبدأ "فصل السلطات" المعتمد في الإعلان الدستوري.

الإدارة الذاتية ترفض
وصدر الإعلان بعد أقل من أسبوعين على تشكيل الشرع، في الثاني من آذار (مارس) الماضي، لجنة مكلّفة صوغ مسودة الإعلان الدستوري، لوضع حدّ للفراغ الدستوري السائد في البلاد منذ ثلاثة أشهر، بعد تجميد العمل بالدستور السابق منذ  إطاحة الرئيس السوري الهارب بشار الأسد في الثامن من كانون الأول /ديسمبر الماضي.

 

وبالنظر إلى سياق الإعلان الدستوري، واللجنة المكلّفة صوغه، والمنبثقة من "الحوار الوطني" الذي أثار جدلاً واسعاً لناحية توقيته وشكل انعقاده وتمثيل المدعوّين إليه، فإن الانتقادات التي طالت بنوده يمكن اعتبارها استكمالاً للمواقف التي استهدفت الحوار نفسه سابقاً.

 

وفي أوّل تعليق، وصفت "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا، الإعلان الدستوري بأنه "امتداد للعقلية الفردية التي تعد امتداداً للحالة السابقة التي تواجدت في سوريا وانتفض الشعب ضدها"، واصفة إياه بأنّه "يفتقر إلى مقاييس التنوع الوطني السوري، ويخلو من حالة المشاركة الفعلية لمكونات سوريا الوطنية".

 

واعتبرت الإدارة أن بنود الإعلان "بعيدة عن سوريا وآمال شعبها"، فيما رأى "مجلس سوريا الديموقراطية"(مسد)، أن الإعلان يتعارض مع الاتّفاق الذي تم توقيعه بين "قسد" ودمشق قبل أيام.

 

وتطالب الإدارة الذاتية، التي يقودها الأكراد، بإسقاط صفة "العربية" عن اسم الدولة، لتعارضها مع المكونات الإثنية والعرقية للشعب السوري من أكراد وتركمان وسريان وأرمن وآشوريين وغيرهم، إلى جانب تضمين حقوق الكرد الثقافية والهويّاتية ضمن الإطار الدستوري.

 

وتضمّن الإعلان الدستوري أن "الدولة تكفل التنوّع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، والحقوق الثقافية واللغوية لجميع السوريين"، و"تساوي بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب"، لكنّه أعاد تسمية الدولة بـ"الجمهورية العربية السورية" في تأكيد للهوية القومية للبلاد.

غياب للعقد الاجتماعي الجامع
وجاء الإعلان الذي نص في مادته الأولى على كون "الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة كاملة"، بعد ساعات من الغارة الإسرائيلية على موقع داخل العاصمة السورية، قالت إنّه يتبع لحركة "الجهاد الإسلامي".
كما تزامن مع مواقف حادة للقيادي الدرزي البارز في سوريا، شيخ العقل حكمت الهجري، الذي أعلن أنّه "لا وفاقَ ولا توافقَ مع السلطات في دمشق"، واصفاً حكومة دمشق بـ"المتطرفة بكل معنى الكلمة، وهي حكومة مطلوبة للعدالة الدولية".

 

وقال الهجري: "نكون أو لا نكون، ونعمل لمصلحتنا كطائفة، وسنذهب باتجاه ما هو مناسب للطائفة"، مشيراً إلى أسفه "على أبناء السويداء الذين يبيعون دماء وكرامة أهلهم في الساحل"، في إشارة إلى تحميل السلطة الانتقالية مسؤولية مجازر العلويين في الساحل السوري.

 

وحدد الإعلان الدستوري الفترة الانتقالية بـ 5 سنوات، ناسفاً بشكل كامل قرار مجلس الأمن الخاص بسوريا رقم 2245، والذي حدد الفترة الانتقالية بـ 18 شهراً، مشترطاً عدم ترشّح قائد المرحلة الانتقالية للرئاسة لاحقاً، في مبدأ معمول به في معظم الدساتير الموقتة غداة الانقلابات العسكرية أو الثورات.

 

ويثير رفض الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، والدروز في جنوبها، الإعلان الدستوري، والانتقادات التي وجّهتها الأقلّيات الأخرى، والتيّارات العلمانية في المجتمع السوري، تساؤلات حول إمكان  اعتباره "عقداً اجتماعياً جامعاً" في وقت تبدو فيه البلاد بحاجة للوحدة والتوافق أكثر من أي وقت مضى.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.