المشرق-العربي 15-03-2025 | 10:13

قراءة في الإعلان الدستوري السوري الموقت... نظام ما فوق رئاسي

اكتفى الإعلان الدستوري باشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام. لكنه لم يضع أي شروط أخرى لتولي هذا المنصب، لا في السن ولا في الجنسية ولا أي شرط آخر. ولم يقتصر غياب الشروط على منصب الرئيس، بل حتى على الوزراء وأعضاء مجلس الشعب.
قراءة في الإعلان الدستوري السوري الموقت... نظام ما فوق رئاسي
احمد الشرع يوقع الاعلان الدستوري وإلى جانبه وزير الخارجية أسعد الشيباني (أ ف ب)
Smaller Bigger

رأى الإعلان الدستوري الموقت في سوريا النور أخيراً. وما كان يفترض أن يصدر في الأيام الأولى التي أعقبت سقوط النظام السابق انتظر أكثر من ثلاثة أشهر شهدت فيها البلاد الكثير من الفوضى القانونية والإدارية، إلى جانب ما شهدته من فلتان أمني بلغ ذروته في مجازر الساحل. 


غطاء شرعي
من الناحية الشكلية، لوحظ حضور لجنة شرعية مشكلة من ستة رجال دين، أبرزهم الشيخ عبد الرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي لـ"هيئة تحرير الشام" سابقاً، ولا يعرف منصبه الحالي الذي خوّله، إلى جانب زملائه مثل الشيخ مظهر الويس، حضور جلسة توقيع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الدستور، والتي بُثّت على الهواء مباشرة، مساء الخميس. ذلك ما دفع مراقبين إلى الحديث عن حاجة الدستور إلى غطاء شرعي لتسويقه أمام أنصار النظام الجديد.


ومن المؤشرات التي تدلّ على عدم تحرر اللجنة المكلفة وضع الإعلان الدستوري من هواجس الموازنة بين الخلفية الإسلامية للحكم الجديد ومتطلبات الدساتير الحديثة أن العديد من المصطلحات غابت عن نصوص الإعلان مثل السيادة الشعبية أو ما يشاكلها، وكذلك صدور الأحكام القضائية باسم الشعب، والديموقراطية، وغيرها من المصطلحات التي لم يعوّض غيابها ذكرُ مصطلح الانتخابات، خصوصاً أنه ذكر من دون وضع آليات واضحة له. وما يعزز ذلك أن الدستور اعتبر الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، في حين كانت الدساتير السابقة تعتبره مصدراً رئيسياً للتشريع، أي مصدراً من بين مصادر أخرى.


مناصب سيادية من دون شروط
اكتفى الإعلان الدستوري باشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام. لكنه لم يضع أي شروط أخرى لتولي هذا المنصب، كالسن والجنسية، ولا أي شرط آخر. ولم يقتصر غياب الشروط على منصب الرئيس، بل حتى على الوزراء وأعضاء مجلس الشعب، إذ لم يرد في الإعلان الدستوري وجوب توفر شروط معينة كالسن والجنسية وغيرها تؤهلهم لتولي مناصبهم.
وإلى جانب ذلك ورد خطأ حسابي في تحديد أبعاد العلم الرسمي للدولة السورية، حيث ذكر الإعلان الدستوري أن طول العلم يساوي ثلثي عرضه.

نظام ما فوق الرئاسي
عمليّاً، نقل الإعلان الدستوري نظام الحكم في سوريا من النظام شبه الرئاسي، الذي كان يستمده من مبادئ الدستور الفرنسي، إلى نظام الحكم الرئاسي، لكن مع إدخال تعديلات جوهرية عليه، جعلته يخرج عن الضوابط والقيود الدستورية المعمول بها في البلدان التي تتبنى أنظمة الحكم الرئاسية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. 

 

هذه التعديلات التي مست بصورة مباشرة حدود الفصل والتأثير بين السلطات الثلاث، جعلت السلطة التنفيذية طاغية بوضوح على السلطتين الأخريين التشريعية والقضائية، وهو ما تبدى بوضوح في عدم اشتراط حصول الرئيس على أي مصادقة من السلطة التشريعية بخصوص التعيينات الديبلوماسية والسياسية الرئيسية في البلاد، كما هو معمول به في النظام الرئاسي الأميركي، بل أباحت له سلطة التعيين منفرداً ومن دون الرجوع إلى أو مشاورة أي جهة. 

 

كما أباح له الإعلان صلاحية اقتراح القوانين على السلطة التشريعية، وفي ذلك مخالفة واضحة لمبدأ فصل السلطات الجامد الذي يقوم عليه النظام الرئاسي عادة. وفي مخالفة أخرى لم يمنح الإعلان الدستوري للسلطة التشريعية أي دور في مراقبة الاتفاقيات والمعاهدات الخارجية بل يقتصر دورها على المصادقة.

سلطة تشريعية بالتعيين
لكن مثل هذه التعديلات والصلاحيات الواسعة لم يعد هناك جدوى من انتقادها بعد ما أعطى الإعلان الدستوري للرئيس حق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب إلى جانب حقه في تعيين اللجنة المخولة تعيين هيئات فرعية مهمتها انتخاب ثلثي الأعضاء الباقين، ومن دون تحديد آلية الانتخابات، إذ أن إعطاء الرئيس صلاحية التدخل في تعيين السلطة التشريعية من شأنه لوحده أن يسقط النظام الرئاسي بالضربة القاضية.

 

ما عدا ذلك، فإن الرئيس هو المخوّل ممارسة السلطة التنفيذية بمساعدة وزراء يعينهم، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. وفي ظل الإبهام الذي أحاط بمجلس القضاء الأعلى يفترض أن يكون الرئيس هو صاحب الحق في تعيينه. 

 

من يحاسب الرئيس
والمفارقة أن الدستور لم يضع أي آلية لمحاسبة الرئيس، لا أمام السلطة التشريعية ولا أمام القضاء، حتى في حال ارتكابه جرماً أو تورط بالخيانة العظمى، وهو ما أكده واضعو الإعلان في تصريحات تلفزيونية إذ أشاروا إلى أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تحاسب الرئيس هي المحكمة الدستورية العليا، علماً بأن الرئيس وفق الإعلان الدستوري هو الذي سيعين هذه المحكمة، ولكن بعد صدور قانون خاص بتشكيلها.

 

الحريات مصانة .. ولكن!
وقد اهتم الإعلان الدستوري بالنص على أهم الحقوق والحريات مثل حق التعبير والإعلام والنشر والصحافة وغيرها، لكن المادة 23 منه أجازت إخضاع ممارسة هذه الحقوق الأساسية والحريات "للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة". وهذه الضوابط فضفاضة بما فيه الكفاية كي تجعل من سوء تأويلها أو استخدامها أمراً لا مفر منه، وهي تكاد تذكّر بمصطلحات "هيبة الدولة ووهن نفسية الأمة" التي كان يستخدمها النظام السابق للتضييق على الحريات.

 

الجمهورية العربية السورية... خطأ تاريخي
وفي بندٍ كان منتظراً لقياس مدى مراعاة الحكم الانتقالي لمقتضيات التنوع في المجتمع السوري، تبنى الإعلان الدستوري تسمية الدولة باسم "الجمهورية العربية السورية" في تأكيد  لهوية الدولة القومية بناء على لغة الأغلبية من سكانها. والمفارقة أن المذكرة الإيضاحية للإعلان الدستوري بررت هذا الخيار بأنه شكّل عرفاً منذ عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، علماً بأن هذا الكلام غير صحيح فأول ما عرفت به كان المملكة العربية السورية، ثم دولة سوريا، ثم الجمهورية السورية، ثم الجمهورية العربية السورية. 

 

وقد استغرب العديد من الباحثين الدستوريين أن تقع لجنة متخصصة بمثل هذا الخطأ التاريخي. وما يعزز وجود اضطراب في استخدام المصطلحات أن الرئيس الانتقالي استخدم أكثر من مرة مصطلح "الأمة السورية" بدلاً عن "الشعب العربي السوري" مما اعتبره البعض نكوصاً عن الفكر القومي، وذلك بخلاف الإصرار على تسمية الجمهورية العربية السورية.

 

شعائر دينية والتطرف العنيف
ونص الإعلان الدستوري على أن حرية الاعتقاد مصانة، وتحترم الدولة جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها، على ألا يخل ذلك بالنظام العام. ونص الإعلان كذلك على محاربة "التطرف العنيف" وهو ما قد يترك هامشاً أمام التطرف الفكري واللفظي، لا سيما في ظل عدم وضوح المعايير التي تجعل التطرف يتسم بالعنف، إذ هناك درجات متفاوتة للتقييم.






العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟