اتفاق الشرع- عبدي: هل تتجه سوريا إلى الفدرلة المكتومة؟
دمشق - "النهار"
شكّل الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي مفاجأة من العيار الثقيل للسوريين الذين كانوا منشغلين بالمأساة الدموية الحاصلة في الأرياف الساحلية. وإذا كانت الاتهامات بحصول مجازر وجرائم تطهير طائفي بحق العلويين قد هزّت استقرار الحكم الانتقالي في البلاد للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر، جاء الاتفاق ليعيد إليه توازنه ويمنحه طوق النجاة، خصوصاً مع تسويق الأمر على أنه تحرير ثانٍ، حيث عمّت الاحتفالات النارية في العديد من المحافظات.
غير أن مقولة التحرير الثاني تدحضها بسهولة بنود الاتفاق ذاته التي وصّفت الأمر على أنه "دمج" مؤسسات شمال شرقي سوريا مع مؤسسات الدولة وليس تسليماً وتسلّماً بين حكومتين، كما حصل مع حكومة بشار الأسد، ناهيك بالتحرير.
وفي الواقع فإن هذا الاتفاق يكتسب أهميته الحقيقية، وربما خطورته، من كونه يمسّ بشكل مباشر ببنية الدولة السورية وشكلها، سواء أُعلن ذلك أم لم يعلن، كما أنه يضع حدّاً لوحدة الأراضي السورية كما كانت معروفة قبل اندلاع الأزمة عام 2011.
وقد لا يكون من قبيل التعسّف القول بأن ما سينتج من الاتفاق هو في الحقيقة "فيدرالية مكتومة" أو إدارات ذاتية مستترة وراء غطاء حكم مركزي تكون علاقته مع الإدارات هشة وقابلة للكسر في أي وقت. وتعزز التسريبات بشأن الإعلان الدستوري صحة هذه الفرضية، لا سيما لجهة اعتماد النظام الرئاسي الكامل مع الاستغناء عن منصب رئيس الحكومة، الأمر الذي يحيل إلى النظام الأميركي.
وقد تكون الإشارة الأهم إلى هذه الحقيقة هي أنه للمرة الأولى في تاريخ سوريا السياسي منذ الاستقلال يجري توقيع اتفاق بين رئيس البلاد وحاكم منطقة معينة منها بصفته العسكرية كقائد جيش معترف به. إذ مجرد التوقيع بين الطرفين، الشرع وعبدي، يعني أنهما ندّان في الصفة والصلاحيات، بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من اعتراف كلٍّ منهما بشرعية الآخر ووجوده.
وما يعزز من ذلك أن الاتفاق نص على وقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية، وليس فقط على الجبهات التي تقاتل فيها "قسد" ضد "الجيش الوطني السوري" الممول من تركيا، وهذا يعني أن قيادة "قسد" ستكون لها صلاحية التدخل خارج المناطق التي تسيطر عليها حالياً من باب مراقبة وقف إطلاق النار، وهو ما دفع البعض إلى القول إن الاتفاق قد يكون طريقة لحل معضلة الساحل بحيث يكون لـ"قسد" دور في ضمان أمن هذه المناطق وهو ما ليس واضحاً حتى الآن.
وفي الواقع، فإن ما تمّ حسمه مع "قسد" أخيراً لجهة الدخول ككتلة واحدة، سبق التعامل به مع الفصائل المسلحة الأخرى من دون أن يُعلن عن طبيعة الاتفاق الذي جرى مع هذه الفصائل وما هي بنوده وهل تمّ كتابياً أم شفوياً. وقد كشفت أحداث الساحل جزءاً من طبيعة المؤسسة العسكرية التي تقوم وزارة الدفاع بإنشائها، ومدى هشاشتها التنظيمية وعدم امتلاكها القرار المركزي. وقد أشار تقرير سابق لـ"النهار" إلى هذه النقاط بالتفصيل.
وكذلك فإن الاتفاق الأمني الذي تم عقده مع بعض الفصائل في محافظة السويداء، ونصّ على أن يتولى أبناء المحافظة تسيير شؤون الأمن عبر انتساب 300 عنصر من الفصائل إلى جانب 600 عنصر من عساكر سابقين إلى جهاز الشرطة والأمن، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود طيف فيدرالي يطغى على بنية الدولة بدرجات متفاوتة. ولن تكتمل الصورة قبل عقد الاتفاق النهائي مع السويداء، ثم عقد اتفاق آخر مع فصائل درعا، لتبقى مناطق الساحل وحدها خارج هذا الإطار.
وفي الاجتماع الذي عقده الشرع مع نخب ومثقفين من السويداء قبل يومين، تحدث عن موضوع الفصائل ونسبة "هيئة تحرير الشام" المنضبطة بين الفصائل الأخرى التي دخلت في الجيش والتي يتهم بعضها بالارتكابات، مشيراً إلى رقم 30 ألفاً من أصل 150 ألفاً أي الخمس فقط. ووفق مصادر حضرت الاجتماع أشار الشرع صراحة إلى أن بعض قادة الفصائل يتصرفون كأنهم خارج الدولة.
وعليه قد تكون سوريا كجغرافيا ونظام حكم تمر في أخطر منعطف بتاريخها وسط مخاوف من تدخلات خارجية قد تتسبب في انحراف بعض الاتفاقات عن وجهتها المقصودة إلى مسارات مختلفة. وإذا كانت الجهود تُبذل حالياً لتوحيد الأراضي السورية التي انقسمت بين مناطق نفوذ عدة خلال السنوات الماضية، فمما لا شك فيه أن هذه الوحدة لن تأخذ شكل الجغرافيا السابق، وسوف تظل مناطق النفوذ موجودة على المدى المنظور ولكن مع تمويهها بروابط هشة تربطها مع المركز.
نبض