المشرق-العربي 11-03-2025 | 21:27

اتفاق دمشق - قسد: رصيد سياسي للشرع وتحولات في المشهد الكردي

يعد الاتفاق الموقّع بمثابة رصيد سياسي للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لناحية تعزيز شرعيّته، بعد تعالي الأصوات المنتقدة والمتّهمة إياه بالفشل في إدارة أول تطوّر ميداني خطير منذ وصوله إلى السلطة، وعجزه عن ضبط الأحداث التي تدحرجت بشكل دراماتيكي ودموي.
اتفاق دمشق - قسد: رصيد سياسي للشرع وتحولات في المشهد الكردي
الشرع ومظلوم عبدي يوقعان الاتفاق
Smaller Bigger

في خطوة مفاجئة، أُعلن عن اتفاق بين "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) والسلطة السورية الانتقالية في دمشق، بعد سلسلة من المحادثات التي بدأت منذ شباط/ فبراير الماضي بين ممثلين عن الإدارة الذاتية والرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع بوساطة وتسهيل أميركيين.

 

توقيت التوقيع والإعلان عن الاتّفاق كان حساساً للغاية، في ظل تطورات ميدانية وسياسية مهمة، بما في ذلك التصعيد الدموي الذي شهده الساحل السوري، وما تلاه من تصريحات حادة صدرت عن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بتحميل الإسلاميين المتطرفين تبعة المجازر المرتكبة في حق العلويين هناك، بالإضافة إلى الاجتماع المغلق لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الملف السوري.


 

 

أما المضمون، فيعكس رغبة مشتركة في التركيز على نقاط التوافق بين الجانبين مع إرجاء القضايا الخلافية، التي تعتبر الأكثر أهمّية وحساسية، أو إحالتها على "اللجان التنفيذية" التي سيكون عملها هو الفيصل في تثبيت الاتفاق أو فشله.

رصيد سياسي للشرع
ويعدّ الاتفاق بمثابة رصيد سياسي للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لناحية تعزيز شرعيّته، بعد تعالي الأصوات المنتقدة والمتّهمة إياه بالفشل في إدارة أول تطوّر ميداني خطير منذ وصوله إلى السلطة، وعجزه عن ضبط الأحداث التي تدحرجت بشكل دراماتيكي ودموي، وصولاً إلى تعرّض عشرات القرى والبلدات العلوّية في الساحل السوري إلى مجازر وتصفيات على الهوّية مدى ثلاثة أيام.

 

تركّز واشنطن بشكل متكرر على شراكتها مع "قسد" في محاربة الإرهاب، وفي حين يستبعد إقدام الأخيرة على توقيع مثل هذا الاتّفاق من دون موافقة أميركية، فإن شرعيّتها الدولية التي تتجاوز عموماً شرعية السلطة الانتقالية في دمشق لناحية الاعتراف بفاعليتها في محاربة الإرهاب في مقابل بقاء الكثير من الفصائل المؤلّفة للجيش السوري الجديد والشخصيات السياسية والعسكرية والحكومية الفاعلة في السلطة الجديدة ضمن قوائم الإرهاب، بالإضافة إلى قدم هيكليّتها المؤسساتية المنضبطة، تمنح الشرع دعماً ضمنياً من واشنطن وأطراف دولية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي وحتى إسرائيل ربّما.

 

إضافة إلى ذلك، تضمّن الاتّفاق توقيع الشرع باسم "رئيس الجمهورية العربية السورية"، ما يعزز موقفه السياسي داخلياً، خصوصاً أن التسمية الرسمية للدولة كانت موضع جدل بين الأطراف المختلفة، إذ تطالب القوى الكردية بإزالة صفة "العربية" من اسم الجمهورية لضمان تمثيل عادل لجميع المكونات القومية والعرقية في البلاد.
كما أن انتشار الجيش الجديد في المناطق الواقعة تحت سيطرة "الإدارة الذاتية"، يقوّي من موقع الشرع وصورته كقائد قادر على بسط السيطرة السياسية والميدانية على مساحات واسعة من الجغرافية السورية، فيما يمنحه الوصول إلى منابع النفط والغاز، دفعاً كبيراً في القطاع الاقتصادي المدمّر في البلاد.

اتّفاق رابح-رابح
في المقلب الآخر، فإن الاتفاق يعتبر سابقة في العلاقة بين الحكومة السورية والمكوّن الكردي، لكونه أول وثيقة رسمية يجري توقيعها بشكل رسمي بين الطرفين، ما يشكّل اعترافاً ضمنياً بـ "قسد" كطرف عسكري مؤثر للمظلة السياسية الأوسع فعالية والمتمثّلة بالإدارة الذاتية.

 

وعلى عكس ما كانت عليه الحال في ظل نظام الأسد، حينما اقتصر التعامل مع الإدارة الذاتية على القنوات الأمنية والعسكرية تحت عنوان عدم الاعتراف بها سوى كقوّة أمر واقع، فإن الاتفاق الموقّع بين رئيس انتقالي وقائد عسكري كردي، يعكس تحولاً في طبيعة العلاقة الثنائية، ويمنح "قسد" شرعية سياسية جديدة داخل الإطار السوري.
تصدّر بند "ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية والإدارية وفقاً لمبدأ الكفاءة، بغض النظر عن الخلفية الدينية أو العرقية"، في الاتّفاق الموقّع، يشير إلى توجّه نحو تشكيل حكومة وطنية موسعة تشمل جميع الأطياف السورية، ويضفي الصفة المدنية على النظام المستقبلي في سوريا، بخلاف التوجّهات والأصوات المتعالية داخل الإدارة الحالية، والمطالبة بنظام حكم إسلامي يستند إلى مبادئ الشريعة، إلى جانب وأده لنمط السلطة الحالية وشكلها والمكوّنة من تيار سياسي ايديولوجي واحد، مع اقصاء تيارات واسعة من الغالبية السنّية ذاتها.

 

كما يشير الاعتراف بالمجتمع الكردي كمكون أصيل في الدولة السورية وضمان كل حقوقه الدستورية، إلى الاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية للأكراد ضمن الدستور السوري الجديد، وهو المطلب الذي سعى التيار الكردي الى تحقيقه طوال عقود في ظل نظام البعث.

 

وبالنظر إلى العلاقة العضوية بين دمشق وأنقرة في ظل السلطة الحالية، فإن توقيع الاتّفاق المذكور يشير أيضاً إلى انفراجات أكبر بالنسبة إلى الكرد على الصعيد الإقليمي، وخصوصاً في الداخل التركي، الذي شهد أخيراً تطوراً لافتاً لناحية إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان عن استعداده لقيادة مرحلة جديدة من السلام قائمة على حل الحزب وإلقاء سلاحه، ضمن إطار شرعنة الحقوق الدستورية والقانونية للأكراد في البلاد.

انعكاسات الاتفاق على المشهد السوري
يمثّل الاتفاق تطوّراً مهماً في الأزمة السورية، إذ يعكس تحوّلات في ميزان القوى المحلية والدولية. فمن جهة، يمنح الحكومة السورية شرعية سياسية جديدة ويعزز موقفها أمام المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى، يمنح قوات "سوريا الديموقراطية" اعترافاً رسمياً بمكانتها كطرف سياسي وعسكري رئيسي. كما أن طبيعة البنود العامة والمصطلحات المستخدمة في الاتفاق تشير إلى رغبة في تأجيل المسائل الخلافية، ما يترك المجال مفتوحاً للتفاوض بشأن التفاصيل لاحقاً.

 

يُنتظر أن تكون لهذا الاتفاق تداعيات مهمة على مجريات الأحداث في سوريا، سواء في ما يتعلق بمسار العملية السياسية أم في مستقبل الترتيبات الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديموقراطية". ومع استمرار العمل على تنفيذ بنود الاتفاق، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة الأطراف على التزام مخرجاته وتأثير ذلك على مستقبل الأزمة السورية ككل.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟