انقلب مسار الأحداث في الساحل السوري رأساً على عقب بالسرعة نفسها التي بدأ بها عندما تمكن مسلحو "المجلس العسكري" بقيادة العميد غياث دلا، من السيطرة ليل الخميس/ الجمعة على مدينة جبلة ومعظم أرياف طرطوس وبانياس وجبلة وقسم من أرياف اللاذقية باستثناء الريف الشمالي.
واستطاعت قوات الجيش السوري والأمن العام استعادة هذه المناطق بعد وصول تعزيزات عسكرية كبيرة إلى طرطوس واللاذقية.
واختفى أثر العميد دلّا بعد إصداره بياناً طلب فيه التفاوض على الوصول إلى تهدئة مستدامة، وسط تقدّم قوات الجيش إثر إعلان رئيس الاستخبارات السورية أنس الخطاب بشكل غير مباشر رفضه عرض التفاوض، مؤكداً أن الحلّ الوحيد مع فلول النظام هو ملاحقتهم وتسليم أنفسهم وأسلحتهم. وحذفت كذلك صفحة الفايسبوك التي كانت تحمل اسم المعركة التي أطلقها دلا وهي "عمليات فجر الشمس".

View this post on Instagram

A post shared by Annahar (@annaharnews)

ورغم كل الفظاعات التي طالت المدنيين في مناطق العمليات العسكرية وخارجها، ظلّ العميد دلا صامتاً، أو بالأحرى متجاهلاً كل ذلك، الأمر الذي ربما أفقده آخر ما بقي من رصيده الشعبي، وسط اتهامات له بأنه نتيجة مغامرته ورّط المنطقة بحمّام دم.
وبينما يذهب البعض إلى أن ظاهرة "المجلس العسكري" كانت مجرد فقاعة وانتهت مع عودة الجيش إلى أرياف الساحل، يعتقد آخرون أنه بناءً على سيرة دلا العسكرية وعلاقاته مع أطراف عدة، قد يكون من المحتمل أن ما جرى في الساحل ليس سوى جولة من ضمن جولات ستأتي لاحقاً.
وقد يكون أحد الأسباب التي أجهضت محاولة "المجلس العسكري" الأولى هو أن الخطة جرى تنفيذها قبل الموعد المتفق عليه بسبب الحملة الأمنية في بيت عانا والدالية في ريف جبلة.
وفي هذا السياق، ذكر مصدر لـ"النهار" أن ضابطاً رفيعاً من المتعاونين مع دلا كان موجوداً في بيت عانا، ونتيجة الخشية من اكتشاف موقعه واعتقاله جرى تسريع بدء تنفيذ خطة الهجوم قبل أكثر من أسبوع على موعدها الأساسي.
وأضاف المصدر أن تقريب الموعد تسبّب بانعدام قدرة مجموعات عدة تابعة للمجلس على المشاركة في العمليات العسكرية، وهي المجموعات التابعة لمحور محافظة حمص، ولعل ذلك ما أسهم في إخفاق الكمائن الثلاثة في عرقلة وصول أرتال تعزيزات الجيش إلى طرطوس، حيث كان بإمكان مجموعات حمص أن تزيد الضغط على هذه الأرتال.
ونفت مصادر متقاطعة لـ"النهار" الكثير من المعلومات التي نشرت بشأن المجموعة التي عملت مع دلا، مؤكدة أن بعض الشخصيات التي ذُكرت على أنها طرف في خطة الهجوم، ليست لها أيّ علاقة به من قريب أو بعيد.
وأكدت المصادر ذاتها أن دلا كان على تنسيق مع شخصية واحدة من قادة "الدفاع الوطني"، مشيرة إلى وجود هذه الشخصية في الشريط الحدودي مع لبنان، مع احتمال أن تكون دخلت إلى الأراضي اللبنانية في أعقاب الحملة الأخيرة التي قامت بها وزارة الدفاع السورية الشهر الماضي لتطهير المنطقة من فلول النظام وميليشيات "حزب الله"، وفق تعبيرها.
وثمة اتجاهان لتفسير المغامرة القاتلة التي قام بها غياث دلا. الأول يذهب إلى أنه جرى تقديم موعد الخطة، إلى جانب غموض دور بعض الجهات الخارجية، لا سيما القوات الروسية في حميميم، إذ كان دلا يتوقع أن يلقى مساندة من هذه القوات، أو على الأقل أن تتدخل في لحظة ما لفض الاشتباك بين الطرفين، غير أن تجاهل القوات الروسية العملية ووقوفها موقف المتفرج دفعا دلا إلى الانكفاء والغياب تاركاً الأرياف التي سيطر عليها تواجه مصيرها الأسود.
والاتجاه الثاني يقول إن خطة دلا حققت هدفها المرجوّ منها وهو استدراج السلطات الانتقالية في سوريا للتكشير عن أنيابها والرد على الهجوم بقسوة كبيرة تؤدّي إلى وقوع مجازر دموية يمكن البناء عليها لاحقاً للعمل في أكثر من مسار مثل المطالبة بالحماية الدولية أو تدخل دولي أو حتى لتمهيد الأرضية من أجل القيام بمغامرات جديدة.
ووسط كل ما سبق، يظل هناك رأي مختلف يطرح تساؤلات بشأن عدم ظهور دلا شخصياً للإعلان عن خطة الهجوم والاكتفاء بإصدار بيان مكتوب، وكذلك عن السبب في إعلان اسمه على رأس قيادة "المجلس العسكري" الأمر الذي من شأنه أن يمنح السلطات الانتقالية ذريعة جاهزة بأنها تواجه فلول النظام السابق.