تعكس زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الأردن، البلد العربي الثاني الذي يزوره بعد السعودية منذ توليه سدة الحكم، أهمية رفع مستوى العلاقات بين البلدين الجارين بحدود تصل إلى نحو 375 كيلومتراً، في ظل تطلعات أردنية لإنهاء العديد من التحديات التي سادت في ظل عهد بشار الأسد والمضي في شراكات تجارية واقتصادية واسعة، في مقابل تطلعات سورية إلى تعزيز التشابك مع العمق العربي في مرحلة أحوج ما تكون فيها دمشق إلى علاقات عربية ودولية إيجابية ومستقرة.

وكان الأردن تعامل بحذر مع تولي الإدارة السورية الجديدة الحكم بعد الإطاحة بالأسد، ووُصفت زيارة وزير خارجيته أيمن الصفدي إلى دمشق بـ"المتأخرة"، إلا أن زيارة نظيره السوري أسعد الشيباني إلى عمان فتحت مساراً إيجابياً للعلاقات، لا سيما أن السلطات السورية الجديدة حرصت على بث رسائل تتضمن تطمينات بشأن التعامل مع مختلف القضايا والملفات داخلياً وخارجياً، بعيداً عن صورة "التطرف" أو ما شابه.

وفي لقاء الشرع والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمان أمس الأربعاء، حضرت تلك التحديات على لسان الملك، لا سيما المتعلقة بأمن الحدود والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، بالإضافة إلى ضرورة تهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم.

ولم تغب عن حديث الملك الأردني إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وتأكيد دعم المملكة لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، مع الإشادة بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري، بوصفه خطوة مهمة نحو إعادة بناء البلاد بما يحقق تطلعات الشعب السوري.

أهمية استثنائية على مستويات متعددة

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات، فإنّ "الزيارة الأولى التي يقوم بها الشرع إلى الأردن منذ توليه زمام السلطة تكتسب أهمية استثنائية على مستويات متعددة، بالنظر إلى ما تحمله من دلالات سياسية واستراتيجية قد تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما أنها تأتي في سياق محمّل بتحديات تراكمت على مدار سنوات من التوتّر والتباعد، الأمر الذي يجعلها بمثابة انعطافة قد تسهم في إعادة رسم ملامح التعاون المشترك بين الأردن وسوريا".

ويضيف الحوارات، لـ"النهار"، أن "القضايا الحيوية يتقدمها ملف أمن الحدود لما شهده من عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومحاولات تسلل"، معتبراً أن الشرع قد يجد نفسه مدفوعاً إلى تقديم ضمانات حقيقية وملموسة للأردن بشأن الحدود بما يعزز الثقة المتبادلة ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون الأمني.

وتطرق إلى أن ملف اللاجئين السوريين يبرز كأحد المحاور الرئيسية التي تتطلب معالجة جذرية وشاملة، إذ يتوقع أن يصرّ الأردن على ضرورة بلورة خطط واقعية ومحددة لعودة طوعية وآمنة للاجئين، بالإضافة إلى ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية، ذلك أن الأردن يسعى اليوم إلى إعادة تفعيل هذه العلاقات عبر إبرام اتفاقيات ثنائية تُفضي إلى تسهيل عبور السلع الأردنية عبر الأراضي السورية، ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الأردني، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تحفيز النمو الاقتصادي.

ويمتد الأمر، وفق الحوارات، ليشمل ملف إعادة الإعمار في سوريا، وهو مجال يمكن للأردن أن يلعب فيه دوراً محورياً بالنظر إلى موقعه الجغرافي وخبراته الاقتصادية.

 استكمال الانفتاح الديبلوماسي

ومن وجهة نظر الباحث المتخصص بالشأن السوري في معهد السياسة والمجتمع حسن جابر، فإنّ "الأردن مد يد العون وبادر بالانفتاح على سوريا الجديدة وتأقلم سريعاً مع الواقع الجديد، وزيارة الشرع للمملكة تأتي في سياق استكمال الانفتاح الديبلوماسي بين البلدين في ظل انفتاح عربي يتعزز بدعوة الشرع لحضور القمة العربية في القاهرة".

ويقول جابر، لـ"النهار"، إن "من بين الملفات التي قد تكون تطرقت لها الزيارة حصص مياه الأردن من خلال اتفاقيات كان تم توقيعها سابقاً، بالإضافة إلى الأوضاع في الجنوب السوري، لا سيما في السويداء وإنشاء مجلس عسكري فيها، فالمملكة معنية إلى حد كبير باستقرار الجنوب السوري كمصلحة حيوية عليا لا تقبل النقاش، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية والتحركات العسكرية على الأرض".