رشا عامر خبيرة الجيوفيزياء السورية لـ"النهار": من يحرّرنا من الوصاية نحن الباحثات عن علم وكرامة؟

المشرق-العربي 08-03-2025 | 15:01

رشا عامر خبيرة الجيوفيزياء السورية لـ"النهار": من يحرّرنا من الوصاية نحن الباحثات عن علم وكرامة؟

عبّدت الباحثة السورية في مجال الجيوفيزياء التطبيقية رشا عامر طريقها على مرّ سنوات الاغتراب الطويلة بسلسلة من الدراسات التي أخذتها إلى أرفع مؤسسات البحث العلمي في اليابان. تسافر من بلد إلى آخر، تشارك في مؤتمرات وفي قلبها حسرة لأن ثمة فتيات في عمر الورود ما زلن يُقتلن في بلدها بذريعة "جرائم الشرف".
رشا عامر خبيرة الجيوفيزياء السورية لـ"النهار": من يحرّرنا من الوصاية نحن الباحثات عن علم وكرامة؟
رشا عامر بالزي التراثي لأهل السويداء
Smaller Bigger

الأرض حكاية شغف أخذت الباحثة الجيولوجية رشا عامر، ابنة قرية المتونة في السويداء، إلى أرفع مراكز البحث العلمي حول العالم، هي الحاصلة على دكتوراه في علم الزلازل من جامعة هيروشيما في اليابان، وتشغل حالياً منصباً مرموقاً في معهد أبحاث التكنولوجيا المبتكرة للأرض في كيوتو.

 

هناك، في جبل العرب، حيث الحقول معطاءة للمزارعين، تشكلت سنواتها الأولى. حملت المعول، غرست الزرع وأصغت إلى طبقات الأرض، بينما تتقارب الصفائح، تتصادم وينكسر هدوؤها.  وكانت سعيدة لكونها "ابنة عائلة مزارعة لقمتها مغمّسة بتراب الوطن"، إلا أن جني المحاصيل لم يشغلها عن متابعة دراستها حيث تميزت ودخلت جامعة دمشق، ومنها حصلت على منحة لدراسة علم الزلازل في اليابان. 

 

 

 

عبّدت عامر طريقها على مر سنوات الاغتراب الطويلة بسلسلة من الدراسات التي أخذتها إلى أرفع مؤسسات البحث العلمي. تسافر من بلد إلى آخر. تشارك في مؤتمرات تُعنى بمجال التخزين الآمن لثنائي أكسيد الكربون للتخفيف من الانبعاثات الغازية و التغيّرات المناخية. وكلما علا التصفيق لطروحات تلك الباحثة الآتية من السويداء، راودها في الوقت نفسه إحساس بالحسرة لأن ثمة فتيات في عمر الورود ما زلن يُقتلن في بلدها بذريعة "جرائم الشرف". ومهما تقدمت عامر في المراتب العلمية، وشُرعت لها الأبواب ورُفعت القبّعات عربون تقدير، تبقى في قوانين الداخل السوري المتوارثة "مجرد سيدة بحاجة إلى من يكون وصيّاً على أطفالها".  

 

من اليابان، حيث تقيم، تؤكد عامر لـ"النهار" أنها اشتاقت إلى بلدها الذي مُنعت من زيارته منذ عام 2012، بعدما أدرج اسمها على فروع نظام الأسد، لكنها في المقابل ما زالت شغوفة بحصد المزيد من الدرجات العلمية في مجال الجيوفيزياء التطبيقية، الأمر الذي يؤخر عودتها إلى الربوع، هي الأم لطفلين يتابعان دراستهما في المدارس اليابانية.

 

 

 

تقارب عامر أحوالها: "هنا في اليابان، باعتباري باحثة في علوم الأرض، أقابَل بأسئلة علمية تنتظر ردوداً مثبتة ببراهين ودلالات. أما في الشرق القابع خلف أعراف متوارثة، فأغدو من يطلق الأسئلة ومؤسف أن لا ألقى أجوبة مقنعة".

 

تسأل عامر: "إلى متى ستبقى العديد من النساء في الشرق ضحيّة للعنف النفسي والجسدي؟"، مطلقة الصرخة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع الذي "خلّص البلاد من ديكتاتورية النظام البائد"، بأن يحرّر المرأة من "الوصاية عليها". كيف ذلك؟ تجيب عامر: "المرأة لا تطالب سوى بأبسط حقوقها: أن تعيش من دون قوانين تُخفّف العقوبة عن قاتلها أو تُمنح الأعذار لمرتكب الجريمة، وألا تُزفّ طفلة على مذبح الزواج المبكر فتُقتل أحلامها، وأن تحظى بالوصاية الكاملة على أطفالها من دون أن تُساوَم على أمومتها أو حرّيتها، وأن تُقرّر مصيرها بحرية في التعليم والعمل واختيار شريك حياتها بإرادتها الكاملة، بعيداً عن خيارات يفرضها عليها المجتمع. كذلك، أن يحميها القانون من التحرّش والعنف الأسري وضغط مجتمع يرسّخ الظلم بأفكار عفنة، وأن تُمنح حق نقل جنسيتها لأطفالها، وأن تعيش من دون خوف، فلا تضطرّ للصمت تحت وطأة العنف النفسي أو الجسدي لأن المجتمع لا يرحمها والقانون لا يحميها".

تضيف: "المرأة في الوطن العربي تطالب بحقها في أن تكون إنسانة مكتملة الحقوق، لا تُطعن أخلاقها كلما حققت نجاحاً لم يرق البعض، ولا تُشرّع الأعذار لقتلها لأنها لم تخضع للوصاية الذكورية. إلى متى تُعاقب النساء لأنهن يطمحن للحياة؟".

وتبدي عامر لـ"النهار" حسرة لأنها في الوقت الذي يجدر بها أن تقدم للإعلام العربي ملخصاً عن دراساتها العلمية التي من شأنها أن تخدم منطقة واقعة على فوالق وصفائح غير مستقرة، تجد أنها من تجربة شخصية مدفوعة لتحكي باسم كثيرات من المغتربات اللواتي يعانين لتصديق أوراق رسمية لأولادهن، والشرط: أن يوقع الأب أو أحد أفراد عائلته في حالات الانفصال أو الوفاة.

وتوضح الباحثة التي تخشى أن تواجه ابنتها ذات يوم التمييز نفسه: "من حق  ابنتي أن تحظى بقانون يحميها من العنف والتحرش و الزواج المبكر"، متسائلة: "أما حان الوقت للاعتراف الكامل بحق المرأة كإنسانة من دون تمييز في بلادنا؟".

وتؤكد عامر: "لم أكن يوماً نسوية ولا أوافق النسويات في مبالغتهن في كثير من الأحيان. كل ما في الأمر، أني إنسانة تعز عليّ كرامتي كلما واجهت موقفاً موجعاً لسيدة عربية في بلاد الاغتراب، بينما تتذلل لطليقها بغرض توقيع أوراق رسمية لأطفالها، وقد تكون هذه الأوراق إفادة مدرسية أو أوراقاً ثبوتية....".


وماذا عن الوطن الأم ومشاريع العودة، تعلق: "حتماً لا بد لكل مغترب من أن يعود ويردّ الجميل للأرض المجبولة بالدماء. وفي جبل العرب، حيث يُعقد الحوار الوطني نحو شراكة برسم بناء الدولة، ثمة بطولات تبقى للتاريخ عن أجدادنا الذين قاوموا وصانوا الحدود وصمدوا في وجه كل المخططات الخبيثة".


تحكي عامر عن الدافع الرئيسي الذي أخذها إلى دراسة علم الارض: "لقد كان زلزال الأردن. كنت صغيرة، مستسلمة للواحات الخضراء في جرمانا حيث نشأت، إلى أن اهتزت الأرض بين أقدامنا. ومنذ ذلك الحين، نما الفضول بشأن ما الذي يخفيه باطن الأرض وما السبل التي تحمينا من الزلازل القوية".

وهكذا بدأت الرحلة إلى اليابان، بلد الزلازل والأعاصير، مصحوبة بصعوبات من نوع آخر: "حاجز اللغة" ووتيرة حياة تستدعي الهرولة على الدوام، عنها تقول: "ما نحتاج إليه في سوريا الجديدة  كبداية، هو قوانين تنصف المرأة كإنسانة متساوية الحقوق والواجبات. يجب رفع سن الزواج إلى 18 عاماً بنحو قاطع، تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يضمن حماية الحضانة والوصاية للأم، وتشريع قوانين صارمة تحمي النساء من العنف الأسري والتحرش. كما يجب تعديل قوانين الجنسية  ودعم المرأة اقتصادياً وسياسياً لتأخذ دورها الحقيقي في بناء المجتمع. ويجب تقديم تسهيلات للمرأة العاملة، مثل إجازة أمومة عادلة، بيئات عمل داعمة، وسياسات تشجع على مشاركة المرأة في القوى العاملة دون عوائق لتكون جنباً إلى جنب مع الرجل في بناء الوطن . و في المستقبل تعديل قوانين الطلاق والميراث بما يضمن المساواة، لدينا في سوريا في الداخل والخارج كوادر نسائية وطنية، نساء متعلمات ومثقفات قادرات على قيادة التغيير، لكن الصمت عن القوانين الحالية القاصرة، أو قبول قوانين محتملة أكثر إجحافاً، يعني استمرار الظلم. حقوق المرأة ليست رفاهية أو ترفاً، بل هي ضرورة لبناء مجتمع عادل، متوازن، ومزدهر.

 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.