كتاب النهار
20-02-2025 | 10:17
إيران وأكراد العراق علاقة منفعة وعداء
لن تكون إيران جادة في دعم أكراد العراق بإنشاء دولتهم المستقلة وذلك لأسباب كثيرة في مقدمتها أن تلك الدولة ستكون بمثابة النموذج الذي يحرض أكراد إيران على التفكير في إنشاء دولتهم المستقلة.

أكراد ايرانيون معارضون فارون الى كردستان العراق
عام 1975 وضع اتفاق الجزائر الذي وقعه شاه إيران وصدام حسين حداً للتمرد الكردي. قبل ذلك الاتفاق كانت إيران هي التي تدعم الأكراد في تمردهم الهادف إلى إقامة وطن قومي لهم. فهل كانت إيران يومها جادة في موقفها المناصر لإقامة وطن قومي للأكراد أم أنها كانت تستغل الأكراد في سعيها لإضعاف العراق وتهديد أمنه والاستقرار فيه من خلال إضعاف سيادته على الجزء الشمالي منه؟ ما أكدته الوقائع بعد قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 أن هناك عدداً من الثوابت التي اعتمدها نظام الشاه تبناها آيات الله باعتبارها مبادئ تقع في جوهر النظرة الإيرانية إلى العالم العربي، وهي نظرة تقوم على استغلال نقاط الضعف فيه بهدف استنزاف ثرواته في حروب محلية. أثناء حرب الثمانينيات، وكان العراق قد ألغى اتفاقية الجزائر، عادت إيران إلى التحالف مع الأكراد الذين وجدوا في انشغال العراق فرصة للعودة إلى تمردهم، وهو ما أدى فيما بعد إلى مأساة حلبجة التي قيل إنها حدثت نتيجة استعمال السلاح الكيماوي على رغم أن الأحزاب الكردية لم تؤكد في حينها ما كشفت عنه مجلة "شتيرن" الألمانية. واللافت أن الطرف الإيراني لم يعلن هو الآخر وقوع تلك المأساة على رغم أن قواته كانت موجودة هناك بسبب التسهيلات التي قدمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني قبل أن تنسحب. أنكر العراق يومها مسؤوليته عن المأساة بدعوى أن الغازات التي تم استعمالها لم تكن في حيازته، غير أن أحداً في العالم لم يكن مستعدا للإنصات إليه.
يد مع الأكراد ويد ضدهم
لن تكون إيران جادة في دعم أكراد العراق بإنشاء دولتهم المستقلة وذلك لأسباب كثيرة في مقدمتها أن تلك الدولة ستكون بمثابة النموذج الذي يحرض أكراد إيران على التفكير في إنشاء دولتهم المستقلة. تلك عقدة تلتقي إيران من خلالها بتركيا على رغم أن مشكلة تركيا أشد تعقيداً بسبب وجود حزب العمال الكردستاني الذي يقبع رئيسه عبد الله أوجلان في السجن، في شمال العراق، وقد تم احتضان معسكراته من قبل حزب الاتحاد الوطني مدعوماً بالحشد الشعبي الذي يمثل بطريقة غير رسمية حكومة بغداد التي لديها الكثير من القواسم المشتركة مع الحكومة الإيرانية. تدعم إيران مثل حلفائها في بغداد إنشقاق حزب الاتحاد الوطني عن حليفه في الحكومة الكردية الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي صار زعيماه نيجرفان ومسرور البارزاني يمثلان الإقليم في المحافل الدولية. لدى إيران مشكلة مستعصية مع الإقليم الكردي. ذلك لأنه يؤوي عدداً كبيراً من مقاتلي الفصائل الكردية المسلحة التي تطالب بإقامة وطن قومي للأكراد مستلهمة تجربة جمهورية مهاباد عام 1946 التي ولد فيها مسعود البارزاني، القائد الكردي الذي دعا إلى انفصال كردستان عن العراق عام 2017 ووقفت إيران ضده. غير أن إيران التي لا تسمح بقيام دولة كردية في العراق لا تجد مانعاً من دعم فصيل كردي تعاون معها، هو ذلك الفصيل الذي سيكون قادراً على إفساد الحلم الكردي من خلال تواطئه مع حكومة بغداد التي ستعطيعه هامشاً لإحراج حكومة أربيل.
اليسار الكردي بوجهه الإيراني
احتكر جلال الطالباني عبر تاريخه السياسي تمثيل الجانب اليساري في النضال القومي الكردي. كان الطالباني حتى بعد أن أصبح رئيساً لجمهورية العراق (2005 ــ 2014) يردد أن حزبه عضو في الاشتراكية الدولية. غير أن ما يُشاع عن ميوله اليسارية لم يكن صحيحاً دائماً. في عام 1983 قتل الاتحاد الوطني الكردستاني أكثر من 150 من الشيوعيين في منطقة باشتاشان كانوا قد وضعوا أنفسهم في خدمة القضية الكردية مقاتلين على الخطوط الأمامية. وإذا ما عدنا إلى علاقات الطالباني السياسية المتشعبة قبل احتلال العراق، تحتل علاقته بنظام حافظ الأسد في سوريا المرتبة الأولى، ومن خلال تلك العلاقة نمت وتوثقت علاقته بالنظام الإيراني. وهو ما ورثه عنه أبنه بافل الذي قاد الحزب بعد وفاة والده عام 2014. غير أن تلك العلاقات التي استفاد منها الإيرانيون كثيراً، وبالأخص على مستوى ملاحقة معارضيهم، لم تحل دون استمرارهم في قصفهم الممنهج لأراضي الإقليم الكردي. ففي عام 2022 وجه الحرس الثوري الإيراني 73 صاروخاً بالستياً وعشرات الطائرات المسيرة إلى 43 نقطة تقع في محافظات السليمانية وأربيل وكركوك بحجج توزعت بين العثور على مراكز تجسسية إسرائيلية وملاحقة أكراد إيرانيين تابعين لمنظمات معارضة. وعلى رغم أن الإقليم الكردي لا يزال في سياق القانون جزءاً من الدولة العراقية غير أن حكومة بغداد لم تندد بتلك الهجمات وحاولت أن تتستر عليها إعلامياً. الغريب أن طرفي العلاقة الكرديين اللذين ينبغي أن يكونا متضررين من الاعتداءات الإيرانية لم يتخذا موقفاً موحداً منها.
الاستثمار الإيراني في الخلاف الكردي الكردي
في العقد الأول من الاحتلال وهو العقد الذي سبق هزيمة القوات الحكومية أمام تنظيم "داعش" والتي أدت إلى أن تفقد حكومة بغداد سيطرتها على ثلثي الأراضي العراقية كان مسعود البارزاني، زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، أشبه ببيضة القبان التي تضبط العلاقة بين أطراف نظام المحاصصة. في كل الظروف الحرجة والاختناقات التي مرت بها تلك العلاقة بسبب الاختلاف على نسب الأحزاب الطائفية في المحاصصة كان حضور البارزاني إيجابيا بالنسبة إلى الأحزاب الشيعية. لم تكن إستشارة مام جلال (وهو اللقب الذي يطلقه الأكراد على الطالباني) تتم إلا بطريقة عرضية غير ملزمة. غير أن شيئاً ما في تلك المعادلة تغير بعد تحرير الموصل. ربما لأن حكومة بغداد لم تعد تشعر بالتهديد في ظل الموقف الإيراني الذي ينطوي على اتهام معلن للحزب الديموقراطي الكردستاني بإيواء القوى الكردية المعارضة، وربما لأن الحشد الشعبي، وقد وضع يده على مناطق كان الأكراد يعتبرونها جزءاً من إقليمهم، صار يمثل قوة مسلحة ثالثة في الإقليم. وربما لأن الأكراد أنفسهم، وقد توزعوا تاريخياً بين فريقين، فريق يوالي إيران وآخر يعارض هيمنتها، فقدوا إرادة القرار السياسي الموحد والمستقل. ما شهده الإقليم الكردي من احتجاجات في الآونة الأخيرة يمكن إعادته إلى الضغوط الإيرانية التي وضعتها حكومة بغداد في سياق موضوعي يتعلق بالفساد المالي في الإقليم الذي هو جزء من فساد الدولة العراقية. صار واضحاً أن الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد نسقت مواقفها مع حليف إيران في الإقليم الكردي حزب الاتحاد الكردستاني لما يخدم مسعى إيران لإفشال إقامة دولة كردية في شمال العراق.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
العالم العربي
9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات
9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة
9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال
9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟