"النهار" مع النازحين في طولكرم... تهجير ممنهج وصامت لسكّان مخيّمات الضفّة

"أذلونا وأهانونا وجوَعونا، أنا مستعد لأن أتعرض لكل هذا في بلدي، لكنني لن أخرج من فلسطين ومن أرضي ليتم تجويعي وإهانتي واضطهادي في بلدٍ آخر غير بلدي". كلمات بسيطة تُعبّر عن حجم المأساة التي يواجهها سكان مخيمي نور شمس وطولكرم، قالها الشاب الثلاثيني حازم لـ"النهار"، بعد أن أُجبر على الخروج من بيته قبل ثلاثة أيام عند الساعة الثانية صباحاً ليجد نفسه مع عائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلتين من دون مأوى، بعدما هدمت القوات الإسرائيلية حارة المسلخ التي يسكنها وطردت أهلها.
زوجة حازم، أصالة (27 عاماً)، قالت بدورها إنّ كل ما تريده هو مكان آمن لابنتيها اللتين تعرضتا لصدمة نفسية شديدة منذ بداية الحملة العسكرية الإسرائيلية قبل نحو أسبوعين، متمنية حضور اختصاصيين نفسيين إلى مركز الإيواء لمعالجة الأطفال ومتابعة حالتهم المتأزمة.
من مدرسة إلى مركز إيواء
داخل مدرسة عبد الرحيم الموحد في ضاحية ذنابة في الجهة الشرقية لمدينة طولكرم، طُلب من الصحافيين عدم التقاط الصور خشية جرح مشاعر الناس. نائب رئيس المجلس التشريعي الدكتور حسن خريشة يشرف على مبادرة إنسانية أطلقها سكان المدينة بالتعاون مع المؤسسات المحلية والمدنية والبلديات والمحافظة لإغاثة سكان مخيم نور شمس الذي يعيش حالة طوارئ. ويقول خريشة لـ"النهار" إن مبنى المدرسة حديثة الإنشاء، هو تبرع سخي من أحد رجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج، وكانت المدرسة في مرحلة التشطيبات النهائية قبل تسليمها إلى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لتكون أحد المرافق الجديدة الإضافية التي ستخدم المدينة خلال العام الدراسي المقبل.
ويوضح خريشة أن المدرسة استقبلت ما يقارب 350 نازحاً هم 40 عائلة، من بينهم نساء وشيوخ ونحو 40 طفلاً، وأن تبرعات أهالي المدينة تغطي حاجاتهم من الملابس والأغذية، كما تم توفير مياه ساخنة وكهرباء وأجهزة كهربائية مثل الثلاجات والغسالات لتسهيل حياتهم اليومية، إضافة إلى الإنترنت والوجبات الساخنة التي تقدمها مطاعم المدينة يومياً وتباعاً.
ويشير خريشة إلى أن ممثلين عن منظمات دولية حضروا واطلعوا على الأوضاع الصحية والنفسية للنازحين بشكل أولي، و سيقومون بتوفير كل المستلزمات الصحية والطبية في الأيام المقبلة.
غزّة مصغّرة
ووسط عمليات التجريف والتفجير المستمرة للمخيم، تواصل القوات الإسرائيلية تدمير البنية التحتية للشوارع وهدم المنازل، بالتزامن مع اشتباكات متقطعة وأصوات انفجارات متتالية.
تبدو ضاحيتا ذنابة وإكتابا مقطوعتين عن بقية أجزاء المدينة الأشد خطورة، حيث ينتشر قناصة الجيش الإسرائيلي في كل المباني العالية التي تشرف على المخيم من كل الاتجاهات، بينما يتمركز الصحافيون الفلسطينيون على تلةٍ بعيدة يمكن من خلالها رؤية المخيم بوضوح، وبالقرب منهم بعض السكان والنازحين.
أمير (40 عاماً) نزح قبل يومين من منطقة المنشية إلى قرية كفر اللبد القريبة عند أقاربه، بينما تمكن شقيقه من استئجار شقة صغيرة لوالدته وأطفاله. كان أمير قلقاً على منزله الذي كان متأكداً من أن الجنود الإسرائيليين حطموا كل محتوياته أو سرقوها. يروي أن "الجنود حضروا في ساعات الفجر الأولى وحققوا معنا، وبعدها دخلوا إلى المنزل وأغلقوا الأبواب، واستخدمونا دروعاً بشرية ليدخلوا إلى منازل الجيران ليحققوا معهم أيضاً، وبعدها تركونا جميعاً في العراء من دون أي ملابس إضافية أو أدنى احتياجاتنا الشخصية"، ويضيف: "مشينا كيلومترات عدة حتى وصلنا إلى كفر اللبد. زوجتي حامل في الشهر الثالث ولدي ثلاثة أطفال، وأنا قلق على طيور السُمّن التي أقوم بتربيتها!".
تغيير جغرافيا المخيمات
على التلة أيضاً التقينا الزميل الإعلامي عميد شحادة، الذي قال إنّ العملية العسكرية في مخيم طولكرم تشبه العملية في مخيم جنين، حيث يتم طرد الأهالي بالآلاف من منازلهم وقد بلغوا ما يقارب 18ألف نازح في طولكرم من المخيمين.
وأضاف شحادة:" نحن نتحدث عن منطقة خالية من البنية العسكرية" مشيراً إلى أنّ بيانات الجيش الإسرائيلي "غير دقيقة على أرض الواقع، وتدعي وجود بنية عسكرية، والبنية العسكرية الوحيدة فيها هي أعداد قليلة من المقاتلين، وبالتالي الوضع صعب جداً على الأهالي الذين يواجهون آلة عسكرية شرسة، وتم طردهم من بيوتهم التي تحولت إلى نقاط عسكرية، كما يتم تدمير هذه البيوت بالجرافات أو بالحرق أو بالتفجير إضافة إلى إطلاق صواريخ الإينرغا بشكل ممنهج لدفع من بقي منهم إلى الرحيل".
ولفت شحادة إلى أن الجيش الإسرائيلي "يستهدف بشكل واضح المخيمات في منطقة شمال الضفة لتغيير جغرافيتها، ومن دون ضجيج كالذي حدث في غزة".