فيما تحاول الحكومة العراقية أن تتخذ موقفاً متوازناً في العلاقة مع كل واشنطن وطهران، يشكّل ملف الحشد الشعبي والفصائل المسلحة العراقية، أحد أبرز الملفات التي تضبط تلك العلاقة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في كانون الأول/ديسمبر المقبل، أخذت الاتفاقات الهشة بين قوى "ائتلاف إدارة الدولة"، وتحديداً داخل الإطار التنسيقي الشيعي تتفكك، لتعارضها مع الحملات والمشاريع الانتخابية الخاصة التي دشنتها تلك القوى مبكراً.

وتحت الطاولة، يقود الجناح السياسي لحركة "عصائب أهل الحق"، حراكاً لإزاحة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض من منصبه الذي يديره منذ عام 2014، بحجة تجاوزه السن القانونية للتقاعد (60 عاماً).

وكانت "العصائب" قد طالبت العام الماضي بإقالة الفياض إثر زيارته الزعيم السني علي حاتم السليمان الذي كان أحد أبرز قادة الحراك الاحتجاجي السني في مدينة الرمادي عام 2012 ضد رئيس الوزراء حينه نوري المالكي.

وتؤكد النائبة عن كتلة "الصادقون" زينب جمعة الموسوي أن كتلتها تدعم إقالة الفياض لتجاوزه السن القانونية للتقاعد.
وتذكر الموسوي في حديث لـ"النهار"، سبباً آخر لموقف كتلتها وهو أنه لا يجوز للفياض أن يكون رئيساً للهيئة وهو زعيم سياسي في الوقت عينه، داعية إلى إيجاد "شخصية جديدة لهذا المنصب المهم". وتقول إن كتلتها تنتظر توافقاً داخل الإطار التنسيقي على إقالة الفياض.

وطبقاً لمصادر مطلعة  علمت "النهار" أن بعض زعامات الإطار نصحت الفياض بترك منصبه وتولي منصب سياسي، مؤكدة أن البديل المطروح حالياً هو منصب نائب رئيس الجمهورية.

يذكر أن الفياض يمتلك 5 مقاعد في مجلس النواب الحالي، بالإضافة إلى مقعد في مجلس محافظة نينوى، وحصل ابن عمه ذو الفقار الفياض على مقعد في مجلس محافظة بغداد.
ويُعتقد أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني نجح إلى حد ما، في كبح جماح سلاح الفصائل، لكن حراكه لم يكن مريحاً لبعض القوى داخل الاطار التنسيقي (الكتلة الشيعية الأكبر في مجلس النواب العراقي)، حيث تريد "عصائب أهل الحق" إزاحة الفياض وترشيح بديل لا يخضع لتأثير السوداني، كما حال الفياض.

وتأسس الحشد في حزيران/يونيو 2014، عقب اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من العراق ووصوله إلى مشارف بغداد، استجابةً لفتوى "الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني. ويضم الحشد عشرات الفصائل المسلحة التي يدين بعضها بالولاء لإيران ومرجعية علي خامنئي.

ويربط الباحث في الشأن السياسي الدولي، أحمد الموسوي، الصراع الراهن حول الحشد الشعبي الذي تطالب إدارة دونالد ترامب، وفقاً لتقارير وتصريحات أميركية، بحله، أو دمجه ضمن المؤسسة العسكرية، بحملة "أقصى الضغوط" التي بدأت تمارسها واشنطن ضد طهران.

ويقول الموسوي لـ"النهار"، إن السوداني يضم تحت جناحه عدداً من المسؤولين والمحافظين، بينهم الفياض، ما يمثل مادة دسمة في الحصاد الانتخابي.
أما عضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، فيقول لـ"النهار"، إن قانون التعاقد الموحد حدد السن التعاقدية بـ60 عاماً، لكنه يلفت إلى أن هناك ثغرة مطلوبة معالجتها تخصّ مناصب المحافظين والوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة وغيرها.
ويضيف عنوز أن هذه المناصب لم يحددها القانون بشكل واضح: هل أصحابها هم شخصيات منتخبة أم معينون، وبالتالي هذا الخلل يسمح بالاجتهادات السياسية، لافتاً إلى أن "مجلس الدولة فسّر عمل هؤلاء بأنهم يقدمون خدمات عامة. بمعنى أن المجلس يحاول أن يجد تفريقاً بين مفردة الاختيار وبين مفردة الانتخاب. وبالتالي فإن من يختاره مجلس النواب يخضع للسن القانونية. وهذا لو طبّق يجب أن يشمل كل المناصب بدءاً من رئيس الجمهورية".

لكن النائب عباس الجبوري عن "حركة عطاء" التي يقودها  الفياض، ينفي أي حراك سياسي في الاتجاه المذكور، ويقول إن الاقتراب من أجواء الانتخابات، عادة ما يفرز "تصريحات مجانية في كل الاتجاهات".
ويؤكد الجبوري أن "الإطار التنسيقي لم يبحث هذا الموضوع في ظل التطورات الإقليمية الراهنة".

ويعتقد القيادي في "دولة القانون" عمران كركوش أن "الصراع على منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي، هو صراع سياسي صرف"، محذراً من أن "هذا السجال يؤثر على عمل الحشد في ظل ظرف أمني حساس".

ويرجح كركوش أن تكون هناك "جهات خارج الإطار التنسيقي تقود هذا الاستهداف السياسي".