
يشير الأخذ والرد بين وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال السورية، وقيادة "اللواء الثامن" بقيادة أحمد العودة، الذي يكاد يبلغ درجة السجال، إلى وجود خلاف حقيقي بين الطرفين يمنع اتفاقهما في إطار تأسيس الجيش الجديد. غير أن أسباب هذا الخلاف لا تتعلق ببنود تسليم السلاح والحل والاندماج، بل على الأرجح لها أبعاد إقليمية ودولية لم تتضح خلفياتها وأهدافها، وإن لم يكن من الصعب التكهّن بها.
وعلى رغم أن رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع كان حريصاً في أكثر من تصريح على إظهار التفاهم بين "معظم الفصائل" من دون أن يشير إلى وجود خلاف مع فصائل محددة، كشف وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة "واشنطن بوست" ما لم يقله الشرع، إذ ذكر للمرة الأولى أن "اللواء الثامن" هو من بين الفصائل التي رفضت الانضواء تحت وزارة الدفاع، ولم يسمّ الوزير للصحيفة الفصائل الأخرى.
وكان لافتاً في تصريح الوزير السوري ما ذكره عن موافقة 100 فصيلٍ على الاتفاق، لأن ذلك يعني أن الوزارة لم تتعامل مع "الجيش الوطني السوري" باعتباره مؤسسة قائمة بذاتها، على رغم أنه تابع لوزارة الدفاع في الحكومة الموقتة، بل تعاملت مع الفصائل التي يتكوّن منها هذا الجيش المموَّل من تركيا، كل فصيل على حدة. ومن غير المفهوم لماذا لم يتم اللجوء إلى طريقة إعلان حلّ "الجيش الوطني السوري" رسمياً عبر وزارة الدفاع التي يتبع لها من دون الدخول في دهاليز الفصائل وإشكالياتها.
ما كشف عنه أبو قصرة للصحيفة الأميركية، لم يكن سرّاً، غير أن الإقرار به رسمياً جاء ليؤكد عمق الخلاف بين الطرفين، وربما حمل رسالة مبطنة مفادها أن صبر الوزارة بدأ بالنفاد تجاه "اللواء الثامن" الجنوبي. ومما قاله الوزير للصحيفة أن "حوالى 100 فصيل مسلح في سوريا وافقت على الانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع، بينما رفضت هذا الأمر بعض الفصائل، من بينها اللواء الثامن".
وحرصت قيادة اللواء على الرد بسرعة على تصريحات الوزير، وذلك عبر كلمة مصوّرة أدلى بها، الاثنين، نائب قائد اللواء نسيم أبو عرة، نفى فيها رفض فصيله الانضمام إلى وزارة الدفاع. وقال أبو عرة إن "أبناء الجنوب هم أول من نادى بتأسيس وزارة دفاع وطنية تعمل وفق القواعد العسكرية الحرفية المنضبطة". لكنه اعتبر أن وزارة الدفاع المنشودة يجب أن تحقق الاستفادة المثلى من خبرات الضباط والثوار، وتضمن تمثيل كل مكونات سوريا من دون إقصاء أو تهميش.
وفي محاولة لإظهار وجود تباين بين موقف وزير الدفاع والرئيس الانتقالي، أشار أبو عرة إلى تصريحات الشرع حول التنسيق بين “إدارة العمليات العسكرية” وفصائل الجنوب خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى دور الأخيرة في إسقاط النظام السابق.
وتمتع "اللواء الثامن" الذي يقوده أحمد العودة، بوضعية خاصة واستثنائية منذ تشكيله عام 2018 بعد توقيع التسوية مع النظام السابق. وتشكّل اللواء على أنقاض فصيل "شباب السنة" المعارض الذي كان مدعوماً من الأردن وبعض الدول الخليجية، ودخل ضمن مرتبات "الفيلق الخامس" الذي أسسته روسيا ليضم الفصائل الموافقة على التسوية. ومنح ذلك خصوصية للعودة وفصيله، حتى أصبح يلقّب بأنه رجل روسيا في الجنوب.
بعد ذلك انفصل "اللواء الثامن" عن "الفيلق الخامس"، وأصبح منذ أواخر عام 2021 تابعاً لشعبة المخابرات العسكرية بقيادة العميد لؤي العلي. غير أن هذه التبعية التنظيمية لم تمنع قيادة اللواء من اتّباع نهج خاص بها تجسَّدت فيه بعض الاستقلالية، وهو ما تبدى من خلال رفضها وجود الميليشيات الإيرانية وقوات "حزب الله" في الجنوب، وهددت بطردهما من هناك أكثر من مرة، كما تبدى ذلك من خلال الزيارة التي قام بها العودة لتركيا خريف عام 2023.
وفي خضمّ معركة "ردع العدوان" التي انتهت بإسقاط نظام بشار الأسد، شكّل "اللواء الثامن" و"قوة اللجان المركزية" وعدد من الفصائل الأخرى في درعا "غرفة عمليات الجنوب" التي كانت السبّاقة في دخول العاصمة دمشق صبيحة الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، أي قبل يوم من وصول أحمد الشرع إليها، ومع ذلك فإن العودة لم يظهر رغبة في المنافسة على السلطة، بل انسحب بهدوء عائداً إلى قواعده في بصرى الشام وما يحيط بها من بلدات الريف الشرقي في درعا.
بعد ذلك زار العودة القصر الجمهوري، في 13 كانون الأول، وهنّأ الشرع في تأكيد آخر لعدم وجود أي تنافس بينهما.
كذلك لم يمانع العودة قيام إدارة العمليات العسكرية بحملات أمنية في بعض مناطق درعا مثل الصنمين وزمرين وغيرهما، كما لم يعترض على تعيين بعض المسؤولين الأمنيين والعسكريين في المحافظة الجنوبية.
وحتى الآن لم يخرج من قيادة اللواء أي تصريح يفيد برفضها حلّ الفصيل والانضواء تحت سلطة وزارة الدفاع، وهو ما أكده نسيم أبو عرة أخيراً. إذن، لماذا هذا السجال بين الوزارة وقيادة اللواء حول الاندماج في الجيش الجديد؟
يتعلّق الأمر بشقين، الأول هو عدم مراعاة وزارة الدفاع خصوصية الوضع الذي تمتع به "اللواء الثامن" على مدى سنوات، على خلفية ارتباطاته المتعددة، وقد دفع ذلك البعض إلى الاعتقاد بأن "اللواء الثامن" هو بمثابة خيار احتياطي قد تلجأ بعض الدول إلى تفعيله إن لم تتقدم الأمور في سوريا بما يحقق مصالحها أو يخفف من مخاوفها.
وفي هذا السياق يفهم البعض التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي عن وجود مشاكل لدى السلطات الجديدة في سوريا مشيراً إلى أن الحوار الداخلي في سوريا لا يسير على نحو جيد. وعلى رغم أنه لا يوجد ما يثبت أن لافروف يقصد الجنوب، يعني مجرد التصريح أن روسيا لم ترفع يدها كلياً عن المشهد السوري، لكنها تراقب وتقيّم.
ويتعلق الشق الثاني بتقاسم كعكة السلطة والاعتراف بالمصالح والامتيازات، بل وحتى النفوذ. وربما كان أحمد العودة يتوقع أن تقدّر وزارة الدفاع وصوله المبكر إلى دمشق ثم انسحابه من دون مشاكل، وأن تترجم ذلك عبر منحه موقعاً قيادياً بارزاً في الوزارة أو إبقائه مهيمناً على درعا ولكن تحت جناح الوزارة لا تحت راية فصيله. غير أن الترفيعات والتعيينات الأولى في وزارة الدفاع أثبتت أنه لم يحسب من بين آباء الانتصار على النظام.
ولكن هناك من يقول إن الارتباط الخارجي أو السعي إلى النفوذ ليسا سوى وجهين لعملة واحدة، لأن الاعتراف بنفوذ خاص للعودة في درعا يعني في ما يعنيه منح الدول الداعمة موطئ قدم قوياً في المشهد السوري، وربما هذا ما تتخوف منه وزارة الدفاع ومن خلفها القيادة العامة لأنها لا تريد أن تفاجأ بخليفة حفتر سوري يواجهها في المستقبل.