بينما يقترب موعد إطلاق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان "نداءه التاريخي"، بغية إنهاء الصراع المسلح مع تركيا، تظهر الخلافات بين أجنحة الحزب، ما قد يهدد إمكان التوصل إلى حل قريب. 

كان الصحافي التركي المعروف أرطغرل أوزكوك المقرب من دوائر القرار في تركيا، قد كشف في مقالة مطولة أن زعيم العمال الكردستاني يعاني من صعوبة في إقناع جناح واحد ضمن صفوف حزبه من أصل أربعة أجنحة. فأوجلان، بحسب الصحافي التركي، يستطيع نيل قبول قيادة الحزب المدنية داخل تركيا أو القيادات المتحركة على مستوى أوروبا ونظرائهم في سوريا، لكن الجناح المسلح المقاتل في المناطق الجبلية لا يبدو قابلاً بدعوة أوجلان. 

القيادي البارز في الحزب مراد قره يلان الذي يُعتبر القائد الميداني الأول للمقاتلين أوضح موقف مقاتليه من أي دعوة قد يوجهها أوجلان لهم إلى تسليم سلاحهم وترك الكفاح المسلح، مُعتبراً في مقابلة مع وسائل إعلام مقربة من حزبه أن "التخلي عن السلاح يستوجب عقد مؤتمر يُتخذ خلاله القرار"، مضيفاً أن "أوجلان يمكنه الدعوة إلى عقد المؤتمر، لكن لا يمكن إلقاء السلاح بناء على مجرد دعوة عبر الفيديو. نحن حركة تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، وهؤلاء لم يأتوا من أجل المال بحيث يمكن إنهاء الأمر بقطع الرواتب وإعادتهم إلى منازلهم".

المسألة بدأت منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حينما تقدم زعيم حزب الحركة القومية التركية دولت بهجلي بمبادرة سياسية تجاه أوجلان المسجون منذ أوائل عام 1999، طالباً منه القدوم إلى البرلمان التركي، وتوجيه نداء إلى مقاتلي حزبه ليلقوا السلاح. وبعدها بدأت اللقاءات بين أوجلان وقياديين في حزب ديموقراطية الشعوب المؤيد للحقوق الكردية، ومن ثم عُقدت اجتماعات بين أوجلان وممثلين عن الدولة في تركيا، وتم التوافق على إطلاق أوجلان نداءه السياسي المتوقع عما قريب. 

"النهار" اتصلت بمصدر مطلع ومقرب من العمال الكردستاني، وسألته عن جوهر الخلاف بين الجناحين المسلح والمدني ضمن الحزب فأوضح الامر قائلاً: "مبدئياً لا يُمانع مسلحو الكردستاني وضع السلاح، لكنهم يسعون لمعرفة ما قد يلي ذلك، سياسياً وقانونياً، إذ ليس واضحاً ما اتفق عليه أوجلان مع الدولة التركية بشأن الحقوق الكردية ضمن تركيا، حتى أقلها بساطة وعادية، مثل الحقوق التعليمية. ولا يُعرف الوضع القانوني والدستوري الذي سيتمتع به مقاتلو الكردستاني بعد عودتهم إلى تركيا، كذلك مستقبل المناطق الخاضعة لهم راهناً، في سوريا والعراق وتركيا نفسها". 

لا أعداد واضحة لمقاتلي الكردستاني، لكن التقديرات تخمن أنهم بين 15و30 ألف مقاتل، يتوزعون بشكل أساسي في المناطق الجبلية بين تركيا والعراق، وتقول التقارير الاستخبارية إن أعداداً منهم تنتشر ضمن تركيا على شكل قوات مدنية. والعمال الكردستاني يخوض كفاحاً مسلحاً ضد الدولة التركية منذ عام 1984 راح ضحيته أكثر من 40 ألف مقاتل من الطرفين. 

الباحث والكاتب السياسي آراس فايق شرح في حديث إلى "النهار" الاحتمالات المستقبلية لهذه الاختلافات ضمن صفوف الحزب وقال: "ربما يكون الأمر بمثابة استراتيجية تفاوضية، بين أوجلان ومقاتلي الكردستاني، ليتمكنوا من زيادة مكتسباتهم في العملية التفاوضية التي لن تنتهي بمجرد إطلاق أوجلان نداءه السياسي. لكن حتى لو لم يكن كذلك، فإن المراحل التالية للنداء، ستتطلب مفاوضات مباشرة بين جناح الكردستاني السياسي في تركيا، والتي قد يترأسها أوجلان نفسه، وبين هؤلاء المقاتلين، الذين لن يسعوا فقط لتأمين حياتهم الشخصية، بل أولاً دورهم في العملية السياسية في البلاد".