تباين بين بغداد وأربيل حيال دمشق... حسابات إقليمية تتصدرها طهران وأنقرة

يتضح مع مرور الأيام التباين بين موقفي إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية حيال التعامل مع السلطة الجديدة في سوريا. ففيما لا تزال الحكومة الاتحادية، ومثلها غالب القوى السياسية العراقية المركزية، مستنكفة عن الترحيب والتعاطي الإيجابي مع ما جرى في سوريا، تحرك الإقليم، ضمن حدود سلطته المحلية، في إطار الدستور الذي يفرض عليه التزام مواقف الحكومة الاتحادية، وصار يدعو الأخيرة علانية إلى تغيير موقفها.
ثلاثة مستويات من التحركات أظهرها الإقليم حيال الوضع السياسي الجديد في سوريا. فزعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني قاد منذ الأيام الأولى وساطة ديبلوماسية ثلاثية، بين "قوات سوريا الديموقراطية" والسلطة الجديدة وتركيا، بغية تجاوز الصِدام العسكري بشأن مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديموقراطية". فالزعيم السياسي الكردي أعلن ما يُمكن اعتباره الترحيب والتعاطي الإيجابي مع السلطة الجديدة في سوريا عبر تلك الوساطة، مثبتاً تواصلاً سياسياً معها وداعياً أكراد سوريا إلى التعاطي إيجاباً مع سلطة بلادهم الجديدة.
في السياق نفسه، تعاطت حكومة إقليم كردستان إيجاباً مع السوريين المقيمين في مناطقها، وسمحت لهم بالاحتفال والتعبير عن فرحتهم بسقوط النظام السابق، ورفع علم سوريا الجديد في مختلف محافلهم، معبرة عن وجود مصالح وأواصر جغرافية واجتماعية تاريخية متداخلة بين الطرفين.
مع الأمرين، تحرك إقليم كردستان إقليمياً ودولياً بما يتوافق مع السعي إلى التعاون الإيجابي مع الحكومة الجديدة في سوريا، إذ تكثّفت زيارات المسؤولين الأكراد لتركيا، الطرف الأكثر نفوذاً وتأثيراً على السلطة الجديدة، بغية مناقشة النتائج السياسية والإقليمية لما حدث في سوريا، فيما التقى رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني في مؤتمر دافوس، وهو أول لقاء سياسي بين السلطة الجديدة في سوريا ونظيرتها العراقية، والوحيد.
على العكس من ذلك تماماً، بقي العراق يتعاطى سلباً مع هذه السلطة، فخلال زيارة رئيس جهاز الاستخبارات العراقية حميد الشطري لسوريا عقب التغيير، بقيت السلطات والقوى السياسية العراقية تحذر من تأثيرات ما حدث على بغداد.
رئيس وزراء العراق السابق، وأحد القادة السياسيين الأكثر نفوذاً وتأثيراً على الحكومة الاتحادية وزعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، عبّر عن المخاوف التي تنتاب القوى السياسية العراقية من الوضع السوري الجديد بقوله: "نحذر من محاولات تكرار سيناريو سوريا في العراق.. بقايا تنظيم داعش وحزب البعث المنحل بعد خروجهم من السجون، يشكلون أدوات للفتنة التي تهدد منجزات الشعب العراقي بعد التخلص من حقبة الدكتاتورية".
المراقبون اعتبروا تصريحات المالكي، والكثير الذي شابهها، ومواقف قادة فصائل الحشد الشعبي التي هددت بالتدخل في سوريا عسكرياً، بمثابة الخطوط العريضة لاستراتيجية التعامل العراقية مع الوضع الجديد في سوريا.
إزاء ذلك، دعا وزير الخارجية العراقي السابق القيادي الكردي هوشيار زيباري الحكومة إلى تغيير مواقفها من الحالة السورية، وقال في منصة "إكس": "الحكومة العراقية متأخرة في التواصل مع قيادة سوريا الجديدة، بعكس الدول العربية المشرقية تحديداً، الأردن، السعودية، الكويت، قطر، فلسطين، لبنان، عُمان، والبحرين. ومن مصلحة البلد التعامل الإيجابي مع الوضع القائم كما هو. لأن الفوضى في سوريا سوف تهدد أمن العراق واستقراره مباشرة".
ثلاثة أسباب موضوعية تدفع نحو هذا الاختلاف، كما يشرح الباحث شفيق مامو لـ"النهار"، يقول: "العمل الإقليمي هو السبب الأول للفرق، فالحكومة الاتحادية متضامنة ومتأثرة بالسلبية الإيرانية حيال السلطة الجديدة في سوريا، لأنها فقدت واحدة من أهم محطات نفوذها، بينما إقليم كردستان أكثر تعاطياً مع الدور التركي، كذلك لأن كردستان غير منهمكة ومتعاطية مع الصراع الطائفي في المناطق، على العكس من القوى السياسية العراقية الأخرى. أخيراً لأن إقليم كردستان يعتبر المكاسب السياسية التي قد يحرزها أكراد سوريا مع السلطة الجديدة ستكون لمصلحته".