بعد 4 سنوات من "نفق الحرّية"... محمد العارضة يروي لـ"النهار" قصّة الهروب القصير
"يوم الأربعاء الماضي حضر مدير سجن "ريمون" إلى قسم العزل وأخبرنا بأننا سنُنقل إلى سجن آخر، في العادة لا يأتي مدير السجن بنفسه لإخبار الأسرى بأنهم سيُنقلون، هنا استنتجنا أن حرّيتنا باتت قريبة.
عندما نُقلنا إلى سجن عوفر غرب رام الله، وعلى مدى خمسة أيام، تعرّضنا لأبشع أنواع التعذيب والضرب المبرّح، حتى خرج الدم من أنفي ومن فمي، تعمّد السجّانون عدم إخبارنا أو إعلامنا بأيّ معلومة حتى لو كانت صغيرة"، بهذه الكلمات أجاب الأسير محمد العارضة عن سؤال "النهار" عن فترة ما قبل إطلاق سراحه.
محمد العارضة هو أحد الأسرى الفلسطينيين الستة الذين تمكنوا من الهروب من سجن جلبوع غرب بيسان في السادس من أيلول/ سبتمبر عام 2021 قبل إعادة اعتقاله مع الأسير زكريا الزبيدي رفيق دربه خلال الهروب الكبير، لتضيف المحكمة الإسرائيلية 5 سنوات إلى أحكامه السابقة، عندها كان رد فعل العارضة أن حريته لخمسة أيام مسحت سنوات سجنه الـ20 الماضية، وخاصة بعدما سنحت له الفرصة ليأكل ثمار الصبّار ويستنشق الهواء النظيف في مرج عامر، ويشعر بأشعّة الشمس تلامس بشرته مباشرةً بعدما كانت القضبان تحجبها عنه.
ولادة جديدة
عندما وصلنا إلى منزل محمد في بلدة عرابة التي تبعد 12 كيلومتراً جنوبي مدينة جنين، كان شقيقه أحمد في انتظارنا، وأخبرنا كيف كانت آثار الضرب والتعذيب واضحة على وجه شقيقه وعلى جسده النحيل بعدما فقد الكثير من وزنه.
صوت مسيّرة المراقبة العسكرية في الخارج كان يملأ المكان، قال أحمد إن سلطات الاحتلال هدّدت العائلة بتفجير منزلها إذا أقامت الاحتفالات أو رفعت الأعلام أو اللافتات.
وأشار أحمد إلى أن شقيقة تسلم أمراً عسكرياً لمراجعة الاستخبارات الإسرائيلية، يوم 13 شباط (فبراير) في معسكر سالم قرب جنين.
حياة العائلة كلها ستتغير بعدما عاشت أعواماً من الحزن والألم لغياب محمد، وحُرمت من الفرح والنوم لسنوات طويلة، قال أحمد متمنياً أن يتمكن شقيقه من العيش باستقرار وأن يبني بيتاً ليبدأ حياته الجديدة ويتزوج وينجب أطفالاً.
وكان محمد العارضة قد اعتُقل عام 2002 وحُكم عليه بالسجن المؤبد 3 مرات و20 عاماً إضافية بتهمة الانتماء إلى "سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي" والمشاركة في عمليات ضد الاحتلال.
خلال فترة أسره حصل محمد (43 عاماً)، على شهادتي البكالوريوس والماجستير في التاريخ والعلوم السياسية، وأنهى دورات عديدة ثقافية ودينية، وحفظ القرآن.
أتعطش للحرية
ملامح وجه محمد أكثر راحة، ابتسامته واضحة ويحرص على الترحيب بالجميع.
ماذا عن اللحظات الأولى بعد الخروج من النفق في عملية الهروب؟ أجاب: "خرجنا كل اثنين في اتجاه، كان أهم ما أردت فعله أن أرى والدتي، وهو ما لم أتمكن من تحقيقه سابقاً لكني حققته اليوم، كنت أقول لزكريا إننا تحرّرنا اليوم، لكن حريتي لن تكتمل حتى أصل إلى أمي، صحيح أننا تأخرنا قليلاً لكننا وصلنا".
وعن الأيام الخمسة التي عاشها حراً قبل إعادة اعتقاله قال إنه وزكريا استمتعا بـ"رؤية جبال الجليل والمشي في مرج بني عامر، وبين أشجار فلسطين التاريخية التي يحبّها كل عاشقٍ للحرية، فلسطين هي صمام أمان كامل، إذا حافظ العالم عليه فسيكون هناك سلام وأمان".
وزاد بالعامية: "كنا مش مصدقين حالنا، أكلنا بعض ثمار الصبار والخروب والرمان، كنا جائعين ولم نستطع حتى الشرب، تذوقنا أشياء منذ سنوات طويلة لم نتذوقها، نحن لم نأكل حتى نشبع فقط تذوقنا بعضاً من طعم البلاد التي نحب، كانت لها نكهة غريبة محبّبة حتى إن رائحتها كانت مختلفة".
وهل كنت خائفاً من إلقاء القبض عليك؟ "أبداً، كنت أمشي بحرية، ورأيت للمرة الأولى طفلة صغيرة ولعبت معها، قبّلت يديها على رغم معرفتي بأن من الممكن أن يبلغ والدها عنا، لم أكن آبه لأيّ شيء".
وأكد العارضة أنه ليس خائفاً أو متضايقاً "أريد أن أعيش حياتي بشكل طبيعي، كما ترين المسيّرة فوقنا، هذا لا يخيفني فأنا أستقبل الناس وأتحدث معهم، لا أريد إيذاء أحد. وكل ما أريده الآن أن أمرّغ جسدي بتراب الأرض".
نبض