هندسة المرحلة الانتقالية في سوريا: "اجتثاث" شامل وكل السلطات بيد الشرع
جاءت هندسة السلطة الانتقالية في سوريا في اليوم الخمسين بعد سقوط نظام الأسد، وفي اليوم التالي لزيارة وفد روسي دمشق، وفي ظل الوجود المديد للمبعوث الدولي غير بيدرسون في العاصمة السورية، مفاجئة في توقيتها وغير موفقة في الشكل. ورغم أن معظم بنود هذه الهندسة كان متوقعاً ومتطابقاً مع تجارب انتقالية في دول أخرى مشابهة، أثارت بعض البنود انتقادات شديدة ومخاوف على المبادئ التي نادت بها الثورة السورية.
وبينما كان السوريون ينتظرون الاتفاق على موعد نهائي لعقد مؤتمرهم الوطني الذي تأجّل أكثر من مرة، وكان من المتوقع- بناء على وعد أحمد الشرع- أن يكون المنصة التي تتخذ من خلالها المقررات الخاصة بالمرحلة الانتقالية كحل الدستور وحل الفصائل، فوجئوا، ظهيرة الأربعاء، بالإعلان عن خطاب سيدلي به الشرع، قائد الإدارة الجديدة، ذكرت محطات فضائية كثيرة أنها سوف تنقله في الساعة الثامنة مساءً.
وكانت المفاجأة، التي تركت خيبة كبيرة لدى الشعب، أن ما جرى هو عقد اجتماع بين 18 فصيلاً شاركت في معركة "ردع العدوان" تحت عنوان "مؤتمر النصر"، وأن الشرع أدلى بخطابه أمام قادة هذه الفصائل في قاعة مغلقة ومن دون أي تغطية إعلامية. ثم تولى العقيد حسين عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية، الإعلان عن نتائج المؤتمر، ولم يُنشر خطاب الشرع إلا بعد منتصف الليل.
هذا في التوقيت والشكل. أما لجهة المقررات التي أعلنها عبد الغني بصيغة "نقرر" العائدة إلى قادة الفصائل المشاركة في "مؤتمر النصر"، فقد تضمنت أبرز ما كان ينتظر السوريون انعقاد المؤتمر الوطني لإصداره من أجل رسم معالم المرحلة الانتقالية.
وبعد أن ذكر عبد الغني أن "الثورة" تعتبر الشرعية الناطقة باسم الشعب، تلا المقررات التي توصل إليها المؤتمرون باسم هذه الشرعية، وأبرزها: اعتبار يوم 8 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يوماً وطنياً. إلغاء العمل بدستور عام 2012 وإيقاف العمل بكل القوانين الاستثنائية. حلّ مجلس الشعب المشكّل في زمن النظام البائد واللجان المنبثقة منه. حلّ جيش النظام البائد وإعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية. حلّ كل الأجهزة الأمنية بفروعها وتسمياتها المختلفة، والميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة تحفظ أمن المواطنين. حل حزب "البعث" وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وجميع المنظمات واللجان التابعة لها، مع منع إعادة تشكيلها تحت أي مسمى آخر، وتحويل أصولها إلى الدولة السورية.
وأضاف: "استكمالاً لدورها وتعزيزاً لدورها في بناء الدولة السورية الجديدة، تُحلّ جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية وتُدمج في مؤسسات الدولة".
ثم أعلن أن "السيد القائد أحمد الشرع يتولى رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية ويقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية ويمثلها في المحافل الدولية. وكذلك تفويض السيد رئيس الجمهورية تشكيل مجلس تشريعي موقت للمرحلة الانتقالية يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ".
ومبدئياً، يعني ذلك أن الشرع بصفته رئيساً للجمهورية سوف يجمع بين يديه السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى حين إصدار دستور دائم قد يستغرق وضعه أربع سنوات، بحسب توقعات الشرع نفسه في مقابلته مع "قناة العربية".
وما أثار الانتقادات، ليس المدة الطويلة المتوقعة لاستفراد الشرع بالسلطات الثلاث فحسب، بل أيضاً عدم وجود مجلس أو جهة لها طابع رقابي أو حتى استشاري تعمل إلى جانبه طوال هذه المدة، الأمر الذي يجعله حاكماً مطلقاً لا حدود لسلطاته.
ورأى مراقبون أن البند الخاص بحلّ الأجسام الثورية السياسية والمدنية وإدماجها بمؤسسات الدولة، خطير وفضفاض، كما كتب الناشط الثوري أحمد أبا زيد على صفحته في فايسبوك. ومن المتوقع أن يشمل هذا البند الائتلاف السوري لقوى المعارضة، والحكومة الموقتة في منطقة درع الفرات، والمجلس الإسلامي السوري، وهي أبرز أجسام المعارضة السورية. ولكن قد يشمل القرار أيضاً الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) والتنسيقيات والمراكز الإعلامية والفرق الشبابية والمنظمات المدنية والهيئات الدينية والقوى السياسية جميعها التي سوف تجد نفسها عرضةً للحل مثل حزب "البعث" وأجهزة الأمن، من دون أن يشمل القرار ذاته القوى غير الثورية.
واعتبر أبا زيد أن الأجسام السياسية والمدنية تعكس مبادرة أصحابها وإرادتهم ، وليس من حقّ أي سلطة حظرها، لأن من دون ذلك لا يبقى حرية أو مجال عام، عدا عن أن الأجسام الثورية هي أساس شرعية أي واقع ومستقبل سوري، وضمانة بقاء الثورة ومبادئها.
وكذلك تخوف مراقبون من قرار حل كل الأحزاب، الذي قد يشمل أيضاً أحزاب معارضة الداخل، نظراً إلى العواقب القاتلة التي خلّفها قرار اجتثاث "البعث" في العراق، فكيف الحال إذا كان المطلوب هو اجتثاث عشرات الأحزاب ومنعها من إعادة تشكيل نفسها. وتزداد أخطار هذا القرار مع ما تهمس به بعض الجهات المقربة من إدارة العمليات العسكرية بأنه سوف يعزل أي عامل في الدولة لمجرد انتسابه إلى "البعث" أو أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.
نبض