توقيف مؤسّسة لأسماء الأسد تحرم أطفالاً سوريين من علاج الصمم والتوحّد

يُطرح مصير مئات الأطفال السوريين من المصابين بالتوحّد أو الإعاقة السمعية مسألة العلاقة بين العمل الإنساني والتغيرات السياسية. وهل ينبغي للأطفال الذين يكافحون لاستعادة حواسهم أو علاقتهم السوية بالعالم الخارجي أن يكونوا ضحايا لمثل هذه التغيرات؟ أم يجب أن يظلوا على رأس سلم الأولويات، بغض النظر عمّن سقط أو جاء، خصوصاً أن المنظمات التي تُعنى بهم ليس لها أيّ علاقة بالسياسة أو السلاح، حتى لو كان هناك في السلطة السابقة من حاول استغلال علاقته بها لتلميع صورته؟
وتنطبق هذه الحالة على الأمانة السورية للتنمية والمنظمات التابعة لها مثل المنظمة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة (آمال) التي تقدّم خدمات صحية وتربوية ومعرفية غير متوافرة لدى غيرها من المنظمات لمئات الأطفال المحتاجين، وهو ما جعل منها منظمةً لا غنى عنها لاستكمال تأهيل الأطفال والأخذ بأياديهم إلى طريق التحرّر من إعاقاتهم، كما تحرّر وطنهم من سطوة الاستبداد، لكنّ المشكلة تكمن في أنّ زوجة الرئيس السابق أسماء الأسد اتخذت من هذه المؤسسات واجهة إنسانية لها من أجل تلميع صورة النظام السابق.
ونتيجة لنهج الإدارة الجديدة لسوريا القاضي بالتخلّص من إرث بشار الأسد، تمّ إصدار قرار بحلّ الأمانة السورية للتنمية وكلّ المنظمات التابعة لها بما فيها "آمال" ليجد الأطفال المحرومون من نعمتَي النطق والسمع أنفسهم يخسرون أيضاً الأمل الوحيد الذي كان يضيء لهم ولأهاليهم ظلمة حياتهم.
"حرقة قلب"، هكذا وصفت والدة الطفلة أيسل حمدي شعورها نتيجة توقّف عمل المنظمة، وقالت: "لكي لا يفوت ابنتي شيء من العلاج في هذه المرحلة ذهبت إلى القطاع الخاص، لكنّ الأسعار نار، وليس في مقدوري تحمّلها لأنّ راتبي 300 ألف ليرة، بينما هي تحتاج إلى 3 جلسات أسبوعياً كلفة الواحدة 75 ألف ليرة". وناشدت والدة الطفلة عبر "النهار" أن تُعاد المنظمة إلى العمل لأنّ هناك أجهزة معايرة وتخطيط لا يمكن الاستغناء عنها، بالإضافة إلى الروضة التي تحتضن الأطفال المصابين وتؤهّلهم عبر مسار طويل لدخول المدارس العادية وليس مدارس الصمّ والبكم.
وقال مصدر في المنظمة لم يشأ الكشف عن هويته، لـ"النهار"، إنّ "في قسم التأهيل التربوي 109 أطفال هم في مرحلة التأهيل بعد زراعة الحلزون وانقطاعهم عن العلاج، ما سيترك آثاراً خطيرة على إمكان تطوّرهم في الكلام واللغة" وأشارت إلى أنّ "عشرين طفلاً من هؤلاء كانوا في مرحلة التأهيل للدمج في المدرسة ما يعني أنّهم سيخسرون فرصة لإكمال تعليمهم".
وأضاف:" أيضاً هناك 60 طفلاً يعانون من التوحّد كانت المنظّمة تقدّم لهم خدمات العلاج الوظيفي والنفسي الحركي بالإضافة إلى جلسات تقويم الكلام واللغة".
والدة الطفل ناظم الخضراء، وهو أيضاً مصاب بإعاقة سمعية قالت: "لا يجوز إغلاق منظمة آمال لأنّها المكان الوحيد الذي يقدّم خدمات لفئة كبيرة من الأطفال بشكل مجّاني أو شبه مجّاني"، مشيرة إلى أنّ المستفيدين من المنظمة هم "أهالي الأطفال الذين لا يستطيعون تحمّل نفقات العيادات الخاصة".
أمّا الطفل كرم خدام جامع المصاب بالتوحّد، فقالت والدته إنّ "تشخيص ولدي هو طيف توحّد درجة متوسطة". وروت الأم قصّتها مع أخطاء التشخيص السابقة حيث كان الأطباء يشتبهون بإصابة ابنها بعاهة عقلية أو عصبية. وحتى بعد التشخيص الصحيح عبر منظّمة "آمال" وضعت الأم طفلها في روضة خاصة بقسط 13 مليون ليرة، لكنّه خرج منها من دون أيّ فائدة، وذلك حتى قررت وضعه في روضة "آمال" حيث بدأت حالته بالتحسن بعد أربعة أشهر.
والد الطفل كرم قال من جهته: "نحن أمام منظمة إنسانية لا علاقة لها بأيّ سلطة أو حكومة، ويقتصر دورها على تأدية خدمات إنسانية لذوي الاحتياجات الخاصّة ومنظمة لا يضاهيها أو يشبهها أحد بخدماتها ومناهجها، وكانت العناية بالأطفال كأنّهم في مراكز متخصّصة في أوروبا". وشدّد على أنّ "كرم وأطفال آخرين حالتهم أسوأ من كرم هم في أمسّ الحاجة إلى منظمة آمال، وأنّ أيّ تأخير من شأنه أن يلحق أضراراً كبيرة بالأطفال لا يمكن تعويضها".
وتأسست منظمة "آمال" عام 2002 بموجب قرار الإشهار 1505وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على دمجهم في المجتمع، وذلك من خلال مركز تأهيل التوحّد, ومركز تأهيل الإعاقة السمعية المتضمّن خدمة الاستقصاءات السمعية وتأهيل اضطرابات الكلام واللغة والمركز التعليمي للإعاقة السمعية. وللمنظمة ثلاثة فروع في كلّ من محافظات دمشق وحلب واللاذقية. وقد تعرّضت هذه الفروع لعمليات سرقة متباينة بعد سقوط النظام السابق، كان أشدّها التي تعرّض لها مركز اللاذقية الذي لم يبقَ فيه أيّ شيء.
وساهمت المنظمة في زراعة الحلزون لـ 350 طفلاً، وهناك قائمة انتظار للزراعة لـ 75 طفلاً آخرين. وقامت بتأهيل وإعادة تأهيل ودمج أكثر من 10 آلاف طفل وبالغ في مجال تأهيل الإعاقة السمعية، وفي مجال تأهيل اضطرابات الكلام واللغة واضطرابات طيف التوحّد. كما قدّمت خدمات الاستقصاءات السمعية لـ 40 ألف طفل وأكثر من 200 ألف خدمة استقصاء سمعية، وكذلك تقديم خدمة الكشف والتشخيص وخدمة العلاج الوظيفي.
وقد يكون إنجازها الأبرز هو إطلاقها برنامج الكشف والتدخّل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة لجميع أطفال سوريا.
وفي حديث مع "النهار" قالت ماريانا علي، الناشطة السورية في المجال الإنساني، إن "إيقاف آمال يعد خسارة كبيرة لأنها قدمت الكثير من الخدمات وغيرت حياة الأطفال فاقدي السمع"، مشيرة إلى مدى حاجة الأطفال لاستكمال برامج التأهيل من دون انقطاع، وإلى أنه يمكن كحل وسط متابعة عمل المنظمة لكن مع تغيير الإدارة، إذا كان بعض أعضاء الإدارة متهمين بتبعيتهم للنظام السابق.
وقالت لـ "النهار" إنّ "ثمّة أزمة تعاني منها المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية بعد قرار الإدارة الجديدة رقم 5201 بتجديد تراخيص كل هذه المنظمات والجمعيات.
وقد دعا اتحاد الجمعيات إلى اجتماع يوم الثلاثاء بعد رفض وزارة الشؤون الاجتماعية النظر في المقترحات البديلة التي قدمتها الجمعيات.
وإلى جانب أزمة الأطفال واحتمال انتكاس حالاتهم الصحية والمعرفية، تبرز أيضاً أزمة أخرى تتمثل في احتمال فقدان ما يقارب 250 عاملاً مصدر دخلهم نتيجة توقف عمل المنظمة بفروعها الثلاثة.
وأبدت الناشطة السياسية والإنسانية منى غانم خشيتها من أن يكون ما يحدث حالياً هو أخطر من قرار اجتثاث "البعث" في العراق لأنه وفقاً للقرارات الصادرة من الإدارة الجديدة حول التسريح الجماعي وحل المؤسسات وإيقاف عمل أخرى مثل "آمال" يبدو أن الهدف هو اجتثاث كل مؤسسات الدولة.
وقالت غانم التي كانت تترأس الهيئة العامة للأسرة قبل انضمامها إلى صفوف المعارضة ومغادرة سوريا، أن هذا الواقع يخالف الوعود التي أطلقتها الإدارة الجديدة في الأيام الأولى بالحفاظ على مؤسسات الدولة.