بعد 15 عاماً من القطيعة... وزير الخارجية السوري في أنقرة
وزيرا خارجية تركيا وسوريا خلال اجتماعهما على هامش مؤتمر سوريا في الرياض (أ ف ب)
Smaller Bigger

في زيارة هي الأولى منذ 15 عاماً لديبلوماسي سوري رفيع المستوى، وصل وزير الخارجية السوري في الحكومة الموقتة أسعد الشبياني إلى تركيا، في خطوة لإعادة تشكيل العلاقات بين البلدين.

واستبق الشيباني زيارته بمنشور في منصة "إكس" باللغة التركية التي يفترض أنه يتقنها، هو الذي تتلمذ على أيد تركية إذ حصل على درجة الماجيستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من إسطنبول.

توزيع العبء إقليمياً
الزيارة التي قال الشيباني إنها "تمثل سوريا الجديدة وتبرز التزام تركيا المستمر حيال الشعب السوري مدى السنوات الـ14 الماضية"، تشير إلى التحولات الديناميكية في المنطقة، خصوصاً في ظل الجهود التي يبذلها أحمد الشرع لإعادة ترتيب المشهد السياسي في دمشق بعد عقد ونصف عقد من الحرب الأهلية المدمّرة.

وقبل زيارته تركيا، زار الشيباني عدداً من الدول في المنطقة: السعودية، والإمارات، وقطر، والأردن، ضمن جهود ديبلوماسية تبذلها حكومته للمشاركة في السياسة الإقليمية، وتطمين القوى والأطراف الإقليمية الفاعلة إلى نهج سياسات دمشق المستقبلية ومسارها.

وكانت أنقرة سبقت العواصم الإقليمية والعالمية في الظهور الرفيع المستوى في دمشق بعد إطاحة  نظام الأسد مباشرة، في إشارة إلى نفوذها ودورها المستقبلي في الساحة السورية. وبعد زيارة "حميمية" لرئيس الاستخبارات الوطنية التركية "ميت" إبراهيم كالن لزعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع الذي اصطحبه في سيارته إلى الجامع الأموي، عقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لقاء مع الشرع في 22 كانون الأول/ديسمبر، واضعاً الأساس لمحادثات رفيعة المستوى مع أعضاء الحكومة الانتقالية السورية.

ويتطلّع الشيباني وفريقه إلى دعم تركيا في إرساء مركزية حكومته وتسهيل تواصلها الديبلوماسي والمساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتقديم المساعدات الفنّية والتقنيّة، في ظل تلازم مساري نجاح الهيئة مع صورة أنقرة في العالم كداعم موثوق ومتمكّن.

وأعربت تركيا عن استعدادها لتقديم تدريب عسكري للإدارة السورية الجديدة، مع التركيز على أهمية هيكل دفاع موحد بين الجماعات المسلحة المختلفة، في تحدّ كبير متمثل بإمكان  دمج الفصائل المختلفة في قوة عسكرية متماسكة وسط التنافسات الداخلية والضغوط الخارجية.

وتسعى دمشق إلى تقسيم أعباء إعادة تأهيل الاقتصاد والبنية التحتية السورية المدمّرة بين تركيا وقطر والحلفاء الإقليميين المحتملين، ما يحتّم عليها دفع أنقرة باتجاه تحقيق توازن دقيق بين سياستها الخارجية النشطة والنهج التعاوني لتجنب الإفراط في التدخل في الشؤون الداخلية السورية ولو شكلياً.

 

الحاجة إلى حكومة سورية شاملة

بعد سقوط نظام الأسد، برزت أنقرة كلاعب رئيسي في سوريا، بخاصة بعدما دعمت بشكل غير مباشر الهجوم الذي قادته "هيئة تحرير الشام" لإطاحة الأسد، لكنها تواجه اليوم مشهداً سياسياً سريع التغير مليئاً بالعنف الطائفي، وتهديداً محتملاً بعودة تنظيم "داعش" وعداءً كردياً مستمراً.

وتعتمد الحكومة التركية خطاباً يعتبر أن أولوياتها الاستراتيجية في سوريا هي استقرار البلاد وإعادة إعمارها، ومكافحة "قوات سوريا الديموقراطية" "(قسد) التي تعتبرها "إرهابية"، وضرورة منع إقامة كيان كردي في شمال شرق سوريا.

وتدرك تركيا الحاجة الملحة الى تحقيق الاستقرار في سوريا لمنع مزيد من الصراعات وبالتالي الأزمات الإنسانية المتعلّقة بموجات اللجوء، التي كانت أحد الأسباب الرئيسية لاستنزاف حزب "العدالة والتنمية" ورئيسه رجب طيّب أردوغان شعبيّتهما، ما يدفعها إلى تفعيل ضغوط على الشيباني لتشكيل حكومة شاملة تمثل كل المجموعات العرقية والدينية في البلاد، العلويين والأكراد والتركمان والمسيحيين والدروز، كشرط لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.

 

إعادة الإعمار وعودة اللاجئين

وتمثّل إعادة إعمار سوريا فرصاً اقتصادية كبيرة لتركيا، إذ يمكن لحكومة سورية شرعية وتعددية أن تجذب التمويل الدولي اللازم لجهود إعادة الإعمار، ما يعود بالفائدة على كلا البلدين.

ويُعد تسهيل عودة اللاجئين السوريين جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية، إذ يمكن أن تساهم بيئة مستقرة ومعاد بناؤها في تخفيف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تتحملها تركيا نتيجة استضافة عدد كبير من اللاجئين.

ويكشف استطلاع للرأي أجرته شركة "متروبول" أن جزءاً كبيراً من الجمهور التركي يعطي الأولوية لعودة اللاجئين وإعادة إعمار سوريا بدلاً من مواجهة "قسد"، إذ يفضّل 46% من المشاركين تسهيل عودة اللاجئين، بينما يرى 19% الحاجة الى إعادة إعمار سوريا، مقابل نسبة صغيرة متمثّلة بـ9%، ترى أن منع إقامة دولة كردية يجب أن يكون الهدف الأساسي.

 

الغاز والحدود البحرية

وتعكس المناورات الجيوسياسية لتركيا في البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً من خلال استراتيجياتها في سوريا وليبيا، سعيها الى إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية. ويعكس الإعلان الأخير عن احتمال توقيع اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة (EEZ) مع الحكومة الجديدة في سوريا نهج تركيا في اتفاقها البحري السابق مع ليبيا.

وأبرمت تركيا اتفاقية مع حكومة "الوفاق الوطني" الليبية عام 2019، سمحت لها بإعادة تعريف الحدود البحرية، متحديةً مطالب اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل. ولم يكن هذا الاتفاق مجرد مبادرة اقتصادية، بل خطوة استراتيجية لمواجهة المنافسين الإقليميين بشأن المياه الإقليمية وموارد الطاقة.

وتتطلع تركيا الآن إلى اتفاقية مماثلة مع سوريا، لتوسيع مزاعمها البحرية في شرق البحر المتوسط، وهو ما قد تعتبره القوى الإقليمية استفزازاً. 

كما أحيا انهيار نظام الأسد طموحات أنقرة لبناء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز عبر سوريا، ما يضعها في موقع محوري كممر للطاقة الإقليمية، وكمركز عبور للغاز غير الروسي إلى أوروبا، وفي الوقت ذاته يشكّل تحدّياً لإسرائيل، التي تسعى بدورها الى تصدير الطاقة إلى أوروبا.

رغم ذلك، تتعامل أنقرة بحرص شديد مع دمشق، متجنّبة تكرار أخطاء الماضي في إثارة قلق الدول الإقليمية من دورها في تشكيل المشهد السياسي السوري ونفوذها على الحكومة الانتقالية، واللذين قد يقوّضان جهود دمشق للحصول على الشرعية الدولية والدعم المالي والديبلوماسي للازمين للاستمرار في الحكم.

 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟