حمص قنبلة موقوتة... انتهاكات وتحريض ومعايير متباينة للحملات الأمنية
من الحملة الأمنية في حمص
Smaller Bigger

 
أصبحت محافظة حمص، وسط سوريا، بمثابة القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. فقد شكّلت الحملات الأمنية - العسكرية، التي تقوم بها إدارة العمليات العسكرية بهدف ملاحقة فلول النظام السابق وجمع السلاح، ضغطاً كبيراً على المدينة المنقسمة سياسياً والمتنوّعة طائفياً، فبات يهدّد بإمكان حدوث انزلاق مفاجئ إلى قاع الفتنة. وذلك ما كاد يحدث، خلال اليومين السابقين، لولا الوعي الشعبي، واستنفار النخب من العلويين والسنّة، للعمل سريعاً، ومن دون تنسيق بينهم، من أجل احتواء ما رافق الحملات من انتهاكات جسيمة، رافقها ضخّ تحريضي كبير ساهم في تضخيم صورة الانتهاكات وتحميل وزرها لجهات معيّنة بهدف إشعال فتيل الفتنة.
وللمرة الأولى، وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان الانتهاكات، التي تحدث في حمص، بأنها تجاوزت حدود الـ"فردية"، في إشارة إلى مصطلح "الحالات الفردية" الذي كان يستخدم للتخفيف من خطورة الانتهاكات. وطالب المرصد القيادة في دمشق بضرورة اتخاذ إجراء صارم لضبط التصرّفات والانتهاكات التي تخطّت حدود الـ"فردية"، وأصبحت تُتّبع بشكل كبير "لكي لا ندخل في إطار فتنة كبيرة"، على حدّ تعبيره.
وعاش السوريون، خصوصاً أبناء الطائفة العلوية، الأيام السابقة على وقع مراقبتهم الحثيثة لما يجري في أحياء نظرائهم في حمص من انتهاكات واعتداءات بلغت سقفاً غير مسبوق على هامش الحملة الأمنية، التي تقوم بها "هيئة تحرير الشام"، في أحياء "العباسية" و"الزهراء" و"السبيل" و"عكرمة"، وغيرها من الأحياء ذات الأغلبية العلويّة. 
ومثّلت جريمة قتل أفرادٍ من عائلة المطرب الشعبيّ بهاء اليوسف ذروة هذه الانتهاكات متسبّبة باستياء شعبيّ عارم، لا سيّما أنه سبقها ولحق بها نشر العشرات من مقاطع الفيديو التي تظهر حالات التعذيب والإذلال التي يتعرّض لها المواطنون المدنيون وبعض العسكريين، الذين سبق لهم أن أجروا التسوية المطلوبة منهم. وقد نشر المرصد السوري أحد هذه المقاطع التي تظهر طلب عناصر الهيئة إلى المعتقلين أن يقلّدوا أصوات الحيوانات نهيقاً أو عواءً. وأظهر مقطع آخر الاعتداء على مجنّد عسكري ممن عادوا من العراق بعد هربهم إليه ليلة سقوط الأسد. واعتبر المرصد أن الاعتداء على هذا العسكريّ بهذه الطريقة الوحشية غير مبرّر، لأنه سلّم نفسه وسلاحه طواعية. 
والواقع أنه لم يعد من الممكن تبرئة جميع عناصر الهيئة من ارتكاب الانتهاكات التي تحصل، فهناك عناصر غير منضبطة تشارك في هذه الانتهاكات، بل تقوم بتصويرها ونشرها للتفاخر بها، وهو ما أشار إليه المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكّد صراحة وجود عناصر لا تلتزم أوامر أحمد الشرع (الجولاني). 
لكن الراجح في المقابل أنه لا يُمكن تحميل الهيئة وزر كلّ الانتهاكات التي تحصل إلا من باب مسؤوليتها غير المباشرة، باعتبارها هي الممسكة بزمام الملف الأمني؛ فهناك نسبة كبيرة من الانتهاكات لا تحدث إلا بعد مغادرة عناصر الهيئة المنطقة وفق العديد من الشهادات من أبناء هذه الأحياء.
واستجابة للمخاوف التي ثارت من احتمال اندلاع فتنة طائفية جراء الممارسات السابقة، أصدر الملتقى العلوي في طرطوس، وهو تجمع لرجال دين ونخب عديدة من الطائفة العلوية، بياناً طالب من خلاله إدارةَ العمليات العسكرية في حمص، وفي عموم سوريا، بضبط الحالة الأمنية، ووقف كلّ الانتهاكات الحاصلة بصفتها الجهة المسؤولة عن هذا الأمر. 
كذلك بذلت شخصيات سورية من الطائفة العلوية جهوداً كبيرة بهدف التصدّي للتحريض الطائفي، عبر متابعة بعض الانتهاكات، وإثبات عدم وجود دور للهيئة فيها. 
وقد استغلّت جهات مجهولة، أو جهات لها مصلحة في حدوث فتنة طائفية، أجواء الاحتقان التي سادت الشارع السوري على خلفية ما يجري في حمص، وقامت بتسريب معلومات تتضمّن أسماء أشخاص وصفاتهم بأنهم مسؤولون مباشرون عن ارتكاب الانتهاكات. ومن بين هذه الأسماء قادة فصائل ينتمي بعضهم إلى حيّ بابا عمرو ذي الأغلبية السنية، والذي نال ما نال من الظلم والقهر في عهد النظام السابق.
ولتطويق هذه المساعي، سارعت نخبٌ من أهالي حي بابا عمرو إلى إصدار بيان تنفي فيه مسؤولية أيّ شخصية من الحي عن الانتهاكات الحاصلة، مؤكّدة نبذ الطائفية باعتبارها الوصفة التي ترمي بالناس في حوض التخلّف.
وأكّد البيان أن أحياء الزهراء ووادي الذهب والنزهة والعباسية، معظم أبنائها هم ضحايا، تمّ الزج بهم عنوة في أتون صراع طائفيّ مقيت.
وطالب البيان الحكم الجديد بالضرب بيد من حديد مجرمي النظام السابق، وكذلك الذين يرتدون ألبسة الحكومة الجديدة ويدعون انتماءهم إليها لتنفيذ عمليات سرقة وقتل.
ورغم أن نسبة البيان ظلّت محلّ شكوك لعدم توقيعه من إحدى الشخصيات المعروفة، فإن صدوره باسم أهالي بابا عمرو، وعدم نفي ذلك، لعبا دوراً إيجابياً في تهدئة النفوس، وربما يكون أعطى الإدارة الجديدة مهلة من الوقت لإعادة التفكير في الأسلوب الذي تتبعه لتنفيذ حملاتها الأمنية، التي باتت على تماس مباشر مع خطوط صدع عميقة، قد تنزلق في أيّ وقت إلى إشعال صراع طائفيّ، وهو ما لا يريده أحد من السوريين.
بالإضافة إلى سجل الانتهاكات المتنامي، تجد الهيئة نفسها أمام تساؤلات محقة بشأن تباين أساليب حملاتها بين منطقة وأخرى. وهو ما ظهر جلياً عندما أرسلت رتلاً ضخماً إلى مدينة الصنمين في درعا في أعقاب اقتتال بين مجموعتين مسلحتين، حيث استبعدت الحلّ العسكري، ولجأت إلى التفاوض. وكان من بين بنود الاتفاق الذي توصلت إليه نزع السلاح الثقيل فقط من المجموعتين، وعرض القضية على المحاكم بعد جمع الأدلة، علماً بأن إحدى المجموعتين متّهمة بأنها تابعة للأمن العسكري في النظام السابق، مما يجعل وصف فلول النظام ينطبق عليها بجدارة أيضاً.



العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان