استجابة للضغوط التركية... إغلاق منظمات مقربة من "العمال الكردستاني" في السليمانية

أغلقت قوات الأمن في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق عدداً من المؤسسات الأمنية "المقربة" من حزب العمال الكردستاني تنفيذاً لقرارات قضائية وسياسية عراقية، تعهدت فيها للجانب التركي بوقف كل نشاطات الجهات المقربة من الحزب المناهض لتركيا، ويخوض صراعاً مسلحاً ضدها منذ أكثر من أربعة عقود. 
وفي التفاصيل، فإن القوات الأمنية في السليمانية أغلقت مراكز ثقافية ومنظمات نسوية ومؤسسات مدنية، قال القائمون عليها إن السلطات الأمنية لم تحمل أي أوامر قضائية لغلقها، لكنّ مصدراً في الجهاز الأمني قال لوسائل إعلام محلية إن التنفيذ جاء في ضوء قرارات مجلس القضاء العراقي، وإن المراكز والمنظمات التي أُغلقت انتهت تراخيص عملها في أوائل العام الجاري، وتالياً صارت مخالفة لشروط العمل والنشاط العام. 

المراكز التي أُغلقت هي "مركز المرأة الحُرة" وشركات أعمال هي "نوغار" و"مارزيا" و"كزينك"، التي تقدم خدمات لمصلحة قناة "جين". "النهار" اتصلت ببعض القائمين عليها، فأكدوا أن أعمالهم تتم تحت القانون العام، ومن دون أي دعوة إلى العنف أو السرية التنظيمية، ولا يتدخلون في الشؤون السياسية بالمعنى التنظيمي المباشر، لكنهم فقط يملكون رأياً سياسياً، وهو أمر غير محظور في العراق وبالذات في إقليم كردستان. واعتبروا أنفسهم ومؤسساتهم ضحايا لتفاهمات أمنية وسياسية تركية/عراقية على حسابهم وحقوقهم المدنية الاعتيادية. 
ولا تبدو الأمور قابلة للتطبيق بيُسر تام، إذ ذكرت شركة "كزينك" في بيان رسمي أنه "رغم أن هذا القرار صدر من محتلي كردستان، فإننا نرفض قرار تعليق أعمالنا ولا نقبل به. هذا القرار يمثل انتهاكاً لحرية الصحافة في إقليم كردستان ويشير إلى التفكير في كسر إرادة المرأة وهويتها ووجودها".
 وجاءت هذه الإجراءات بعد لقاء نائب رئيس وزراء إقليم كردستان قوباد طالباني السفير التركي في العراق أنيل بورا إينان الذي زار الإقليم والتقى طالباني الذي يمثل الاتحاد الوطني الكردستاني في الحكومة المحلية، ولهذا الحزب نفوذ واسع في محافظة السليمانية. فتركيا تتهم العمال الكردستاني بتوسيع نشاطه في محافظة السليمانية بالذات، بتسهيل من الاتحاد الوطني، كجزء من المزاحمات الإقليمية عموماً. ووصل الأمر بتركيا إلى حد حظر عبور الطائرات الآتية من مطار السليمانية الدولي.
الاتحاد الوطني يرفض تلك الاتهامات، ويعتبر أن مناطق نفوذه تطبق القوانين العراقية تماماً، بالذات في مجال الحريات المدنية والسياسية، مؤكداً التزامه كل القرارات الصادرة عن المؤسسات السياسية والقضائية والأمنية العراقية، ومذكراً بتطبيقه التام لقرارات الهيئة القضائية للانتخابات العراقية في شهر آب (أغسطس) الماضي التي أغلقت فيها أحزاب عدة بدعوى قربها من حزب العمال الكردستاني، مثل حزب "الحرية والديموقراطية" الإيزيدي و"جبهة النضال الديموقراطي" وحزب "حرية المجتمع" الكردستاني، ومصادرة أموالها لمصلحة الخزينة العامة.
الكاتبة والباحثة أفين عبد الكريم شرحت في حديث لـ"النهار" ما سمّته التناقض الرئيسي بين الفروض الأمنية والعلاقات السياسية وتداخلات المصالح بين العراق وتركيا، وبين طبيعة الحياة الديموقراطية واللامركزية الواسعة في النظام السياسي في العراق. وأضافت: "في العموم يشكل ملف العمال الكردستاني حلقة تداخل معقدة بين تركيا والعراق، بالذات بالنسبة للأخير، الذي بحسب نظامه السياسي الجديد لا يستطيع التصرف حسبما كان عليه نظام صدام حسين. فالمؤسسات الأمنية والقضائية العراقية لا تستطيع منع مجموعة من مواطنيها المقربين إيديولوجياً وسياسياً من العمال الكردستاني، أو أي تيار سياسي آخر يثير حساسية واحدة أو أخرى من دول المنطقة، من العمل المدني الداخلي، وإن كانت هذه النشاطات تلقى رفضاً وعدم قبول من تركيا". 
وأضافت:"مقابل ذلك، يعرف العراق تماماً مدى تأثيرات تركيا على الداخل العراقي، بالذات على القوى السياسية العراقية، ومثلها التيارات والأحزاب الكردية، وأن الحرب التي تخوضها تركيا ضمن الأراضي العراقية هي التحدي الأكبر بالنسبة إلى العراق راهناً. ويدفعه كل ذلك إلى أن يتصرف من موقع التردد وعدم الاتساق بين ما هو سياسي وأمني وقضائي". 
واستنكر نشطاء مدنيون أكراد ومؤسسات حقوقية في إقليم كردستان غلق هذه الجهات المدنية، مذكرين بالحقوق الأساسية للمواطنين والجهات العاملة في الإقليم، وبأن تصنيف تركيا للعمال الكردستاني كتنظيم "إرهابي" يأتي من واقع عدم قبولها بحل المسألة الكردية داخلها.