زنوبيا "خيالية" ومجازر العثمانيين شُطبت... هل تتراجع الحكومة السورية عن تعديلات المناهج المثيرة للجدل؟

تحقيقات 02-01-2025 | 20:50

زنوبيا "خيالية" ومجازر العثمانيين شُطبت... هل تتراجع الحكومة السورية عن تعديلات المناهج المثيرة للجدل؟

جدل واسع أثارته تعديلات تربوية أقرّها وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية الجديدة نذير القادري، ألغى خلالها "ما يمجّد نظام بشّار الأسد".
زنوبيا "خيالية" ومجازر العثمانيين شُطبت... هل تتراجع الحكومة السورية عن تعديلات المناهج المثيرة للجدل؟
مسلحون في سوريا (أ ف ب).
Smaller Bigger

جدل واسع أثارته تعديلات تربوية أقرّها وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية الجديدة نذير القادري، ألغى خلالها "ما يمجّد نظام بشّار الأسد" وعدّل بعض "المعلومات المغلوطة" التي اعتمدها النظام السابق "في منهاج التربية الإسلامية مثل شرح بعض الآيات القرآنية واعتماد التفسير الصحيح لها"، في خطوة لاقت استغراباً في أوساط المجتمع السوري.

الانتقاد جاء على مستويين، الأول صلاحية حكومة تسيير أعمال لجهة تعديل المناهج، وكان الرأي في هذا السياق ترك مسألة التعديلات التربوية للجان مختصّة بعد صياغة دستور جديد أو بعد إعلان دستوري موقت، والثاني كان استبدال عبارات وطنية مثل "الدفاع عن الوطن" لتصبح "في سبيل الله" وأخرى دينية مثل "المغضوب عليهم والضالين" بـ"اليهود والنصارى"، وما يحمله ذلك من مؤشرات وطنية ودينية.

الجدل الذي أثير استدعى القادري لتوضيح إجراءاته، فأكّد أن "المناهج ما زالت على وضعها حتى تُشكّل لجان اختصاصية لمراجعتها وتدقيقها، وقد وجهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد وتعديل بعض المعلومات المغلوطة في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير".

 

 

الأستاذ الجامعي وعضو الهيئة التأسيسية لحزب الجمهورية السوري محمد الأحمد يعرب عن ترحيبه بإلغاء كل ما هو مرتبط بتمجيد نظام الأسد، "كون سقوط النظام ليس عملاً عسكرياً فحسب، بل معنوي يقوم على التخلّص من كل رموزه التي تسيء إلى البنية الضميرية"، لكنه ينتقد التعديلات المرتبطة بالتربية الدينية التي يقول إنها "تهدّد الوحدة الوطنية بالعمق خصوصاً في ظل المجتمع السوري التعدّدي".

ولا يغفل مراقبون ومتابعون عن التعديلات المرتبطة بالتاريخ السياسي والسلطنة العثمانية وشطب المجازر المرتبطة بالعثمانيين، وبرأيهم، فإن لجنة مختصّة بالمناهج التربوية والتعليمية تنظر بهذه القضايا، لكنهم يرون في هذه التعديلات أبعاداً سياسية مرتبطة بالعلاقة المقرّبة بين القيادة السورية الجديدة وتركيا، ورغبة الأولى بعدم تصوير التاريخ التركي بصورة سيئة.

ينطلق الأحمد من تجربته الأكاديمية والسياسية ليشير خلال حديث لـ"النهار" إلى أن تعديل المناهج يجب أن يتم "من قبل حكومة تحظى بشرعية شعبية تشكّل بعد الانتخابات أو حكومة انتقالية وليس حكومة تصريف أعمال"، وتقوم لجنة مختصّة تضم "شخصيات وطنية تتمتع بثقافة عميقة ولديها تجربة في الحقل التعليمي" بالتعديلات المطلوبة.

ويبدي الأحمد قلقه من "الإشارات السلبية التي تبعثها إجراءات بعض وزراء الحكومة لمكونات الداخل السوري المختلفة وللمجتمع الدولي، والتعديلات التربوية ضمناً"، وهي إشارات "لا تتماشى" مع تلك التي يطلقها القائد العام للقيادة السورية الجديدة أحمد الشرع خلال تصريحاته التي يعتبرها الأحمد "متوازنة"، والتي ترسل تطمينات للداخل والخارج مرتبطة بحقوق الأقليات.

هذا الجدل لم يقتصر على الناشطين السياسيين، بل شمل أيضاً رموزاً فنية كان لها رأيها، إذ اعتبر الممثل السوري المعروف بمعارضته للأسد مكسيم خليل أن "إلغاء كل ما يمجّد حقبة سوداء من حياتنا أمر طبيعي وواجب علينا جميعاً"، وشدّد على الحكومة أهمية "الانتباه والوعي لعدم إصدار أي قرار أو توجيه قبل دراسة تأثيراته الإيجابية والسلبية وردود فعل جميع فئات الشعب السوري".

من جهته، نشر الكاتب رامي كوسا صورة فارس الخوري، أحد الآباء المؤسسين للجمهورية السورية، معلقاً: "أحد الضالين في تاريخ هذه البلاد"، كما سخر الكاتب عدنان العودة بدوره من سرعة إقرار التعديلات، على الرغم من إعلان القيادة الجديدة في سوريا أن الدستور والانتخابات يحتاجان إلى فترة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات، قائلاً إن "الأمر ليس فتت لعبت (لعبة ورق)"، قبل أن يحذف كلامه عن حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي لأسباب مجهولة.

ومن التعديلات التي اعترض عليها الناشطون السياسيون والفنانون السوريون، حذف زنوبيا باعتبارها شخصية خيالية، تاريخ الآراميين والكنعانين وحذف تاريخ الآلهة القديمة، وما يتعلق بتطوّر القانون وفق "شريعة حمورابي"، كما التعديلات المرتبطة بالسلطنة العثمانية، بالإضافة إلى حذف ما يتعلق بنظرية التطور وأصل الأنواع للعالم البريطاني تشارلز داروين، مع حذف فقرة "تطور الدماغ" بالكامل من مادة العلوم. 

وفي السياق، لفت رامي كوسا إلى مجموعة من المسلسلات التي تناولت مقاومة السوري للعثمانيين مثل "حمام القيشاني"، قائلاً: "حتى لو حولتم مناهجنا الدراسية إلى ملحقات صحف شرعية، ستغلبكم أغنية أو مقطع منها يتغنّى بشهداء 6 أيار (مايو)، الذين "تمرجحوا" على مشانقهم بعد أن أصدر العثماني العصملي المحتل الجزار جمال باشا السفاح قراراً بإعدامهم. هؤلاء شهداؤنا، وباقون في الأغنيات والوجدان وفي المناهج التي ستعود كما كانت، يعني ستعود كما كانت".

إذاً، فإن التعديلات الجدلية اعتبرت كـ"دعسة ناقصة" من قبل وزارة التربية والحكومة، كون القيادة السورية الجديدة في مرحلة تريد إرسال إشارات إيجابية للمجتمعين السوري الداخلي والدولي الخارجي، يضمن حقوق الأقليات والحكم التشاركي القائم على التعددية، وبالتالي ستتجه الأنظار نحو طريقة الحكم في المرحلة المقبلة والإجراءات التي توضح فعلاً توجهات القيادة الجديدة.

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.