أحداث مخيم جنين... السلطة ضد الجميع

في 5 كانون الأول (ديسمبر) الجاري بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملة عسكرية أطلقت عليها تسمية "حماية وطن" في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، ضد الفصائل الفلسطينية و تحديداً ضد "كتيبة جنين"، وسط تصاعد للتوتر والخلافات بين الطرفين واشتباكات عنيفة، بعد تفجّر الأوضاع في أعقاب اعتقال مجموعة من المقاومين، من بينهم الأسيران المحرران في صفقة تبادل الأسرى عام 2011، عماد أبو الهيجا وابراهيم الطوباسي، ومصادرة أموال خاصة بعوائل الشهداء.
واعتبرت الفصائل الفلسطينية أن ما تقوم به أجهزة أمن السلطة هو بمثابة "تجاوز للخطوط الحمر وللمحرمات الدينية والوطنية والعائلية"، وأنها "تجر الضفة الغربية إلى الاقتتال والفتنة الداخلية، بعد أن نهضنا من تحت أنقاض ما دمره الاحتلال، ولأجل ذلك نناشدكم من باب حرصنا على أمنكم ألا نقع وإياكم في شباك المحظور الذي يرسمه لنا القريب والبعيد".
في المقابل، أعلن الناطق باسم قوات الأمن الفلسطينية أنور رجب أن المؤسسة الأمنية "تعمل وفقاً لقواعد اشتباكٍ صارمة تهدف إلى الحفاظ على أرواح المدنيين وضمان سلامتهم، وأن القوات تواجه الخارجين على القانون الذين رهنوا أنفسهم لجهات تحمل أجندات لاوطنية وتنتمي إلى محاور إقليمية لم تجلب سوى الخراب والدمار، وعرّضوا حياة الأطفال والأبرياء للخطر ".
مقتل صحافية
الحصيلة الأخيرة للضحايا وصلت إلى 11 قتيلاً، 5 منهم من عناصر الأجهزة الأمنية، وآخرهم الصحافية شذى الصباغ، وهي تعكس الحال الخطيرة التي وصلت إليها الأوضاع على الأرض.
وكانت الصباغ قد قتلت جراء إصابتها برصاص قناص من أجهزة أمن السلطة في مخيم جنين، بحسب بيان أصدرته عائلتها ووصفتها بأنها "جريمة مكتملة الأركان، وحمّلت السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية المسؤولية المباشرة عنها"، بينما نفى الناطق باسم قوى الأمن "وجود أي عنصر من القوى الأمنية في المكان"، ودان مقتل الصحافية، معتبراً أن "الجريمة ارتكبها خارجون على القانون".
يذكر أن مخيم جنين يواجه منذ أربع سنوات اقتحامات واجتياحات مستمرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلفت مئات الجرحى والشهداء وأدت إلى تدمير البنية التحتية للمخيم، ونزوح العائلات إلى خارجه.
إسرائيل لن تزود السلطة بالأسلحة
إلى ذلك كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن السلطات الإسرائيلية قبلت توصية الجيش ورفضت تزويد السلطة الفلسطينية بالسلاح لدعم عمليتها في جنين، وأشارت إلى أن رئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي أوصى القيادة السياسية بعدم نقل أسلحة إلى السلطة، وحظيت التوصية بدعم وزير الدفاع يسرائيل كاتس قبل أن تحظى بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وبحسب الإذاعة، فإن القرار الإسرائيلي عدم مد السلطة بالأسلحة، اتخذ رغم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وطلبها تزويد السلطة كلاشنيكوفات وذخائر ومركبات مصفحة، علما أن التعريف الإسرائيلي للعملية في جنين هو أنها "مصلحة أمنية إسرائيلية".
حالة مخيفة ومقلقة
نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور حسن خريشة أوضح لـ"النهار" أن ما يجري في مخيم جنين "أمر غير طبيعي ومقلق ومخيف وسينعكس سلباً على الحالة الفلسطينية العامة في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ 15 شهراً، فيما هناك صمود في غزة رغم التضحيات الكبيرة، وفي الضفة هناك مقاومة متجذرة بدأت من جنين وانطلقت إلى كل الضفة الغربية".
وأضاف خريشة: "عندما تقوم السلطة بهذه الحملة بعدما قالت إنها ليست جزءاً من هذه الحرب، وإنها لن تشارك بها لاعتبارات كثيرة منها أنها غير قادرة نتيجة عجزها ولارتباطاتها باتفاقيات مسبقة مع الجانب الإسرائيلي، علماً أن إسرائيل أنهتها منذ زمن بعيد منذ الاجتياح عام 2002، وبعد اقتحاماتها المتكررة للمدن والمخيمات منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، فإنها لا تريد أن تصل الأوضاع في الضفة الغربية إلى ما وصلت إليه في قطاع غزة، وهذا الأمر استدعى منها أن تقوم بما قامت به حتى الآن انتظاراً لما سيأتي به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب".
ورأى خريشة أن "في العقلية السياسية الفلسطينية لا يزال لدى بعضهم أمل في تحقيق تسويات وبعض الوعود هنا وهناك، لكنها غير مقبولة، وبالتالي لجأت السلطة إلى شعارين: الأول "حماية وطن" ومن يريد أن يحمي الوطن يقاوم الاحتلال، والثاني وصفت المقاومين بالخارجين على القانون وهم حقيقة أبناء الشعب الفلسطيني وورثة آبائهم وأخوتهم الذين صمدوا في حصار المخيم عام 2002، أكثر مما صمدت عواصم أمام الاحتلال، وهم موجودون قبل معركة طوفان الأقصى، وأطلقنا عليهم الفدائيين الجدد".
ولفت خريشة إلى أن "السلطة تغنت بهم كثيراً والرئيس الفلسطيني محمود عباس زار مخيم جنين وخطب في ساحته بعد اجتياح تموز (يوليو) 2023، والرئيس عرفات أطلق عليه لقب جنينغراد، واعتُبر رمزاً للمقاومة، وبالتالي كانت هناك شراكة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية".
وخلص إلى أن "الفصائل كلها متفقة على مواجهة الاحتلال رغم اختلافاتها الإيديولوجية، فيما تحاول السلطة أن تظهر أنها قوية وقادرة على الوصول إلى اليوم التالي بعد الحرب بدءاً من جنين، لكنها لم تحصد غير الانقسام والعزلة".