المشرق-العربي
27-12-2024 | 01:33
سوريا: تفاقم "الحالات الفردية" والاحتجاجات عليها تهدد بالانزلاق إلى حرب أهلية

إحراق شجرة الميلاد في السقيلبية
يطفو على سطح المشهد السوري الكثير من الأحداث التي ينذر تفاقُهما المتدرج باحتمال العودة إلى أتون الحرب الأهلية. وفي الوقت الذي وجهت فيه إلى إيران اتهامات مباشرة بالتحريض والسعي إلى استعادة بعض دورها في سوريا من بوابة الفتنة، تتشكّل تحت السطح العديد من خطوط الصدع والفوالق الناتجة من سياسات بدأت الإدارة الجديدة انتهاجها بعيداً عن الالتزام بمعايير الشفافية والموثوقية، الأمر الذي سرّع بولادة مخاوف كبيرة لدى بعض الأقليات بأن تكون مستهدفة في موقعها ووجودها. وقد تنامى تأثير هذه المخاوف نتيجة غياب الخطاب الوطني الجامع، وانقياد الجميع وراء الخطاب الطائفي التحريضي نفسه الذي طالما اتُّهم النظام السابق بالمسؤولية عن إنتاجه بهدف إحكام قبضته على السلطة.
وقد ثارت شكوك كثيرة جراء التزامن الذي حصل بين التصريحات المريبة التي صدرت عن مسؤولين إيرانيين حول عدم انتهاء الحرب في سوريا، "وأن التطورات المستقبلية كثيرة" واندلاع أزمة حرق مقام الشيخ أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي، الذي له أهمية كبيرة لدى العلويين كونه هو الذي وضع الصيغة النهائية لعقائدهم. وكان أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري في حكومة تصريف الأعمال قد حذّر إيران من بثّ الفوضى في سوريا، ردّاً على التصريحات التي صدرت عن المرشد ووزير الخارجية الإيراني.
ويعد تحذير الشيباني بمثابة تدشين لعهد جديد، يتسم بالتوتر، بين سوريا وإيران بعد تحالف طويل استمر عقوداً بين الثورة الإيرانية و"ثورة البعث". وهو يحمل العديد من الرسائل والمؤشرات التي يأتي في مقدمتها توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي عموماً والدول العربية خصوصاً بأن الإدارة الجديدة تنتهج سياسة القطع مع إيران. لكنه يشير إلى احتمال وجود نيّة لدى هذه الإدارة في استخدام احتمال عودة الشبح الإيراني كذريعة لتشديد قبضتها الأمنية في الداخل.
وتعزز ذلك الاتهامات التي وجهت إلى التظاهرات التي خرجت للاحتجاج على حرق مقام الخصيبي بأنها جاءت بعد إشارة البدء التي تضمنتها تصريحات عراقجي المستفزة. وكذلك ما قام به الإعلام الرديف لـ"هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى لناحية وصف المشاركين في التظاهرات بأنهم فلول النظام وأتباع العمائم. كما حاول بعض مسؤولي الإدارة الجديدة الإيحاء بأن الاشتباكات التي حصلت في خربة المعزة في ريف صافيتا في محافظة طرطوس ذات صلة برد الفعل على حرق المقام، مشيرين إلى تعرض قوات الهيئة لكمين نتيجة ذلك. ولكن تبين لاحقاً أن الهيئة كانت قد أرسلت القوة بهدف اعتقال مدير إدارة القضاء العسكري الذي يتحدر من القرية بسبب دوره في إعدام المئات -بحسب قولها- باعتباره رئيس المحكمة الميدانية، وعندما واجه اعتراضات من ذويه وجيرانه بدأت الاشتباكات.
ويعد ملف الضباط في الجيش السوري وأجهزة الأمن من أعقد الملفات الأمنية التي يمكن أن تواجه الإدارة الجديدة. ولكن حتى الآن يجري التعامل مع هذا الملف بمنطق الفتوة بعيداً عن منطق الدولة والعدالة، لأن الدستور في سوريا مجمّد بقرار من حكومة تصريف الأعمال!، والمحاكم معطلة بقرار من وزير العدل، وثمة فوضى عارمة إعلامية وقانونية تعيش في ظلها البلاد، لذلك يعتقد ذوو المطلوبين من كبار الضباط أن الوقت غير مناسب للمطالبة باعتقالهم لغياب أي ضمانات قانونية تتيح لهم الدفاع عن أنفسهم. كما أن الاعتقال يفترض أن يتم بناء على أوامر قضائية صادرة من النيابة العسكرية، وهي معطلة، لذلك ثمة مخاوف حقيقية من أن يكون الهدف هو الانتقام وليس تحقيق العدالة، لا سيما أن المطلوب من الضباط هو تسليم أنفسهم إلى فصيل طالما حاربوه وليس إلى جهة مختصة رسمياً ومؤسسة تحت سقف الدستور.
كما يعد ملف التسريح من الوظائف من أخطر الملفات التي تواجه الإدارة الجديدة على الصعيد الاجتماعي الذي ستكون له أبعاد أمنية في حال لم يتم التعامل معه بمنطق وحكمة. ويتخوف العاملون في قطاعات عدة آخرها القطاع الصحي من احتمال تسريحهم من عملهم بعد الطلب من 80% منهم الجلوس في منازلهم مع صرف راتب لهم لمدة شهرين وسط توقعات بأن يطرد قسم كبير منهم من وظائفهم، التي هي مصدر دخلهم الوحيد. وقد بدأت الإدارة الجديدة هذه السياسة انطلاقاً من طرطوس ومن غير الواضح ما إذا كانت سوف تنتقل إلى محافظات أخرى أم لا.
وقد سبق هؤلاء، المتطوعون في الجيش من ضباط وصف ضباط وعناصر، إلى جانب متطوعي الأجهزة الأمنية وكذلك مؤسسة الشرطة، وهم عشرات الآلاف ممن كانوا يتقاضون رواتبهم من الدولة، بل كان العديد منهم يسكن في مساكن خاصة بكل قطاع تعود ملكيتها إلى الدولة ولا يدفعون مقابلها إلا إيجاراً رمزياً. وفي ظل الغموض الذي يحيط بمصير هؤلاء مع توقفهم عن العمل، واحتمال أن تسحب الشقق منهم، تولدت مخاوف من أن يجد هؤلاء وعائلاتهم أنفسهم في العراء على حين غرة ومن دون مقدمات أو من دون أن يرتكب الكثير منهم ما يمكن محاسبته عليه.
وفيما يرى أنصار الإدارة الجديدة أن هذه السياسات لا بد منها من أجل تحقيق العدالة، بحسب وصفهم، يتخوف آخرون من أن تؤدي هذه السياسات إلى خلق خواصر رخوة يمكن أن تنفذ منها إيران في المستقبل للعبث بالداخل السوري.
ويضاف إلى ما سبق ارتفاع وتيرة وقوع ما بات يسمى "الحالات الفردية" التي تتزايد بشكل خاص في مناطق الأقليات كالمسيحيين والعلويين والاسماعيليين، وكان آخرها حرق شجرة الميلاد وقتل ثلاثة قضاة وإعدام ضابط بحري وإحراق مقام الشيخ الخصيبي. ويشير ذلك إلى مدى عمق الفوالق التي بدأت تؤسس لها السياسات السابقة في غياب أي تواصل مع المجتمعات من الإدارة الجديدة لوضعها في صورة الخطط الموضوعة ومآلاتها، وهوما بات يهدد في ظل الاحتقان القائم بالانزلاق إلى حرب أهلية جديدة ما لم يتم تدارك الموقف بسياسات أكثر شفافية وموثوقية.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
شمال إفريقيا
10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق
10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته.
العالم
10/6/2025 5:00:00 PM
مرحبا من "النهار"...
لبنان
10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".