المشرق-العربي
28-12-2024 | 03:34
النظام الذي قبض على الأفواه: سوريون يتنفسون الحرية برحيله
"بكم النعنع، بكم فراشي الأسنان، بكم الخس، بكم الأول؟ تلك كانت شيفراتنا لنعرف أسعار الدولار على الهاتف وفي جلساتنا العامة.."

سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد
"بكم النعنع، بكم فراشي الأسنان، بكم الخس، بكم الأول؟ تلك كانت شيفراتنا لنعرف أسعار الدولار على الهاتف وفي جلساتنا العامة، لأنّ النظام، عبر اللجنة الاقتصادية وفرع الخطيب وفرع السرية 215، كان يمكن أن يسجننا سبع سنوات بسبب مئة دولار متداولة، الآن أتصل بأصدقائي لأسأل علانية على الهاتف: كم سعر الدولار عند الافتتاح اليوم، كم سعره في الظهيرة، على كم أغلق اليوم؟ ليس لأنني أملك دولارات ومن أصحاب رؤوس الأموال، ولكن لأننا من هنا تنفسنا الحرية"، يقول المحامي مازن عرب لـ"النهار" عن نكهة الحرية التي عصفت بالمجتمع مع ما أسماه سقوط "أطغى نظام عرفه شعب يوماً".
ويتابع عرب: "والله إنّ الحرية جميلة، وهذه أبسط ملامحها، فكيف لو صار، كما الآن، مسموحاً بأن نتحدث في المعيشة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، كان نظاماً سفّاحاً، بعد رحيله استشعرنا مدى طغيانه، مدى تحكمه في أبسط شؤون حياتنا ويومياتنا، وكيف كان يكبل تعاملاتنا وأفواهنا، ويمنعني شخصياً بحكم عملي من التوكل عن أبرياء بقضايا إرهاب".
كل شيء بحساب
ويضيف الحقوقي السوري: "كان يحسب علينا أنفاسنا، نظراتنا، آراءنا، كلماتنا، كان يعتقل التجار من دون وجه حق ليستحوذ على أموالهم ضمن جرائم تشليح لم يفعلها نظام حكم آخر، كان يعتقل تجار الهواتف الخليوية من محلاتهم بتهم لا حصر لها، أبرزها تعاملهم بأجهزة لا تتبع لشركة وحيدة وحصرية تعود ملكيتها إلى أسماء الأسد، وإن لم يجدوا أجهزة مخالفة كانوا يعتقلونهم لأنّ لديهم بيوت حماية للأجهزة، أو حمايات شاشة، بحجة أنها مهربة، وكيف يستوي ألّا تكون مهربة وسوريا لا تنتج هذه الأشياء البسيطة، وهي عماد عمل تلك المحال، فلا أحد لا يحتاج إلى تلك الكماليات لهاتفه".
ويستطرد عرب: "أعرف محلاً في حمص اعتُقل صاحبه وأُجبر على دفع 30 ألف دولار فدية ليخرج، علما أنّ موازنة محله كلها لا تبلغ 10 آلاف دولار، هذا عدا عن اعتقال باعة الدخان، وأعرف شخصاً آخر يملك كشكاً صغيراً للدخان جرى اعتقاله وتغريمه مئة ألف دولار، وآلاف الأمثلة".
المكتب الاقتصادي
وعن وجهة ذلك المال يشير إلى أنّه "كان يذهب إلى حساب المكتب الاقتصادي في القصر الجمهوري لا إلى خزانة الدولة، فضلاً عن فرض إتاوة على كل التجار بما اصطُلح على تسميته التبرع لـ"صندوق الشهداء" في وزارة الدفاع، ولكن هذا الصندوق يتبع فعلياً للمكتب الاقتصادي نفسه الذي يرأسه المدعو يسار ابراهيم، ويصب نهايةً في خزانة أسماء الأسد، والأمثلة لا تنتهي عن طريقة تشليحنا عبر الحواجز والمعابر وفي النفط والطاقة وغيرها، وكان الحديث عن ذلك يعرض صاحبه لقص اللسان لو تجرأ على أن يتحدث بأي شيء يتعلق بالمكتب الاقتصادي، وقص اللسان هنا يعني سجناً أمنياً لا تدخله الشمس أو سجون الإرهاب وصيدنايا، وهناك سيتمنى المرء لو مات ألف مرّة ولم يتدخل في سياسة بلده الاقتصادية، سياسة المهانة والتجويع والإذلال والإفقار والاحتقار.
يا حريّة
من البديهي أنّ يوم الثامن من كانون الأول (ديسمبر) لم يكن يوماً عادياً في حياة السوريين بعد قرابة خمسة عقود ونصف من حكم آل الأسد، مع أول حنجرة تجرأت على إطلاق صرختها "حرية" وتتبعها ملايين الحناجر، الحناجر التي وضع عليها النظام السابق مخبراً لكلّ واحدٍ منها، منذ اعتقل الأسد الأب رفيقي دربه وعمره صلاح جديد ونور الدين الأتاسي عام 1970 مروراً بكل الاعتقالات التي طالت معارضي الحكم أو المشكوك بولائهم أو من تعرّضوا لتقرير كيدي وخلافه مروراً بربيع دمشق عام 2000 واعتقال معارضيه وأصحاب منتدياته وصولاً إلى اعتقال المعارض إبن القرداحة عبد العزيز الخيّر ورفاقه عام 2012 وما تلاه من تغييب وإخفاء قسري لأكثر من مئة ألف معتقل لولا سقوط النظام لما كان أُميط اللثام عن معاناة الأحياء منهم ومئات المقابر الجماعية التي ضمت رفات آخرين.
رفات عشرات الآلاف رقمٍ قد يبدو تصديقه صعباً لو لم تكشف عنه المقابر، ولذلك كان يخاف السوري، كان يسير على مبدأين لا ثالث لهما في عصر الخوف والرعب وإثارة النعرات، أولهما: "الحائط، الحائط، واللهم السترة"، وثانيهما: "الجدران لها آذان". وكذا تمكن الأسدان من بثّ الخوف في نفوس شعبهما وجعله أدواتٍ تتنفس لتعيش وتحاول أن تأكل وتكتفي بخبزها كفاف يومها لو استطاعت إليه سبيلاً.
تعددية شكلية وضحك على اللحى
تقول المهندسة ريم جبور لـ"النهار" إنّ النظام السابق حين سمح بالتعددية السياسية وتشكيل أحزاب جديدة لم تكن تلك الأحزاب سوى انعكاس لفكره ورؤيته إلا قلّة قليلة من الشرفاء، ولا يتحملون هم الذنب، فالنظام لم يتح لهم خياراً آخر للمشاركة في الحياة السياسية شبه المنعدمة، بل المنعدمة.
وتضيف: "كان يريد أن يرى نفسه في الأحزاب الجديدة، فها هي تشكلت منذ أكثر من عشرة أعوام ولم يسمح لها بالمشاركة أو التمثيل أو بمجرد محاولة تغيير الواقع السياسي أو الخدمي أو المعيشي، كان يريد أن يتبروز بها أمام الشعب والمجتمع الدولي، لكنّها حقيقة كانت مكبّلةً مثلنا، وهذا واحدٌ من أكثر أوجه النظام ظلاميةً".
حين يرى الضرير للمرّة الأولى
"هل يعرف أحدٌ أو جرّب شعور الضرير عندما يرى للمرّة الأولى، هكذا هو شعور السوريين اليوم"، يقول عامر منّى وهو شاب من حمص اعتقله النظام قديماً في سجن صيدنايا بتهمة التخابر وإفشاء معلومات تمسّ أمن الدولة وتسيء إلى هيبتها، قبل أن يفرج عنه بعد خمس سنوات.
يروي منى أنه سجن نتيجة تقرير كيدي من زميل له في العمل، وقد قاسى ما قاساه في السجن، يصمت شامتاً بالنظام ثم يقول: "لا أريد تذكّر أسوأ مرحلة قد يعيشها آدمي".
ويتابع: "المهم اليوم هو الحرية التي نتنفسها، نستطيع الحديث في كل شيء، من كان يجرؤ على أن يقول نظام بائد، مجرم، ساقط، سابق، أو أنّ حزب البعث مرتشٍ وفاسد ويجب حلّه ومحاكمة كل أعضائه بتهمة العمالة لرئيس غير وطني، من كان يجرؤ على أن يقول هذه حكومة فاسدة يجب حلّها فهي ونظامها أفقرانا وجوّعانا وأهانا كراماتنا، لقد سرقوا الخميرة والفطيرة، قاسموني ربطة الخبز التي كنت أعيل بها أولادي، كان لديّ كشك يأخذون عليه إتاوة".
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
العالم العربي
9/15/2025 8:43:00 PM
خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي
9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا
9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان
9/14/2025 2:53:00 PM
تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال