ما هي الدوافع الحقيقية وراء عملية السلطة الفلسطينية ضد نشطاء "حماس"؟

المشرق-العربي 20-12-2024 | 14:52

ما هي الدوافع الحقيقية وراء عملية السلطة الفلسطينية ضد نشطاء "حماس"؟

منذ يوم السبت الماضي، وجدت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية نفسها في مواقف عادة ما تميز عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية
ما هي الدوافع الحقيقية وراء عملية السلطة الفلسطينية ضد نشطاء "حماس"؟
قوات الأمن الفلسطينية (أ ف ب)
Smaller Bigger

كتب ميخائيل ميلشتاين من صحيفة "يديعوت أحرونوت": "'لا نريد غزة ثانية في جنين، من الأفضل أن يموت الآلاف منّا على أن تُدمَّر جنين وفلسطين'، كلمات الشيخ محمد صلاح، مفتي الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، تعكس تغييرا عميقا في النهج الذي يُفسر العملية غير الاعتيادية التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في شمال الضفة الغربية منذ حوالي أسبوع".

منذ يوم السبت الماضي، وجدت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية نفسها في مواقف عادة ما تميز عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية: اشتباكات مسلحة مع مسلحين، اعتقال نشطاء من "حماس"، وحتى تفريق مظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع. وخلال العملية التي أُطلق عليها اسم "حماية وطن"، قُتل حتى الآن اثنان من عناصر الجهاد الإسلامي، وكشفت السلطة عن ثلاث سيارات مفخخة كانت معدة لاستهداف مواقع مدنية وأمنية.

تجنّب أبو مازن مثل هذا التحرك لسنوات، ونتيجة لذلك فقد تدريجيا السيطرة على شمال الضفة الغربية. بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بدأ نموذج جنين، وبدأ الانتشار إلى طولكرم، نابلس، طوباس وحتى أريحا. في الأسبوع الذي سبق العملية، بلغت مظاهر التحدي ذروتها عندما سيطر نشطاء من "حماس" والجهاد الإسلامي على مركبات تابعة للسلطة وقاموا بجولات استعراض في أنحاء جنين، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

يضيف ميلشتاين: "يبدو أن الدافع للعملية كان مزيجا من خوف أبو مازن من احتمال حدوث انهيار سريع للنظام، مشابه لما حدث في سوريا تحت نظام الأسد، في الضفة الغربية، ورغبته في تحسين صورته أمام ترامب الذي سيدخل البيت الأبيض خلال شهر، وإظهار القدرة مهم لأبو مازن للتأثير على الاستراتيجية التي يطورها ترامب تجاه الضفة الغربية، وكذلك ليُعتبر طرفا ذا صلة في مناقشات "اليوم التالي" بشأن غزة، حيث يسود الاعتقاد بأن السلطة غير قادرة على استعادة السيطرة على المنطقة.

 

في هذه المرحلة، ينبغي أن يركز أبو مازن على المخاطر المتزايدة للصراع العنيف مع الفصائل المسلحة في الضفة الغربية، وخاصة "حماس". في "حماس"، تراكم غضب كبير على السلطة لرفضها المبادرة المصرية لإقامة نظام مشترك في غزة بعد الحرب، وإصرارها على الهيمنة، مما يؤدي، وفقا لـ"حماس"، إلى تعزيز الانقسام الوطني وإطالة أمد الحرب".

ووفقاً لـ "يديعوت أحرونوت"، خلال الأيام الأخيرة، دعت "حماس" إلى تعبئة عامة في الضفة الغربية والاستعداد لمواجهة حادة مع السلطة، ومن غير المستبعد أن تبدأ هجمات على أهداف أمنية وسياسية في الضفة الغربية على غرار الخطط التي كُشف عنها قبل عقد لتنفيذ هجمات ضد السلطة بهدف زعزعتها والسيطرة عليها.

تتجلى حدة التوتر بين الطرفين في محاولة السلطة استغلال حوادث هامشية للإضرار بصورة الفصائل المسلحة. على سبيل المثال، عُرضت في وسائل الإعلام والشبكات المرتبطة بحركة "فتح" صور لمسلحين من منطقة جنين يرتدون سترات كُتب عليها الرقم 313، وهو رقم ذو دلالة في العقيدة الشيعية – يشير إلى عدد أتباع الإمام الغائب المهدي، الذين سيشكلون جيشه عند ظهوره مجددا كالمخلص. وُصف هؤلاء المسلحون بأنهم "متشيّعون"، أي أنهم تحولوا إلى المذهب الشيعي، وموالون لإيران وليس للقضية الفلسطينية.

في ما يتعلق بالانتفاضة الشعبية، يبدو أن مخاوف أبو مازن، على الأقل في الوقت الحالي، مبالغ فيها. صحيح أن الرأي العام الفلسطيني تجاه النظام في رام الله سلبي، إذ يُنظر إليه على أنه فاسد وغير شرعي، لكن حتى الآن لم تتشكل كتلة حرجة تقود إلى "ربيع فلسطيني"، وبالتأكيد لم تتوفر الطاقة الثورية، القيادة، أو الأجندة اللازمة لذلك.

 

 

في حديث مع العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعترفون بأن وضعهم صعب، خاصة بعد 7 أكتوبر، لكنهم يدركون أنه قد يصبح أسوأ، ولذلك يفضلون الواقع الحالي رغم سوئه.

"السلطة مستعدة لتحمل مخاطر أكثر مما كانت في الماضي"، يقول د. خليل الشقاقي، رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله خلال مقابلة.  "ومع ذلك، فإن التحركات تُنفذ بحذر شديد لتجنب اندلاع حرب أهلية، ولتفادي الاتهام بالتعاون مع اسرائيل ".

ويضيف محمد دراغمة، محلل وباحث مقيم في رام الله: "حاليا، يتركز الصراع في جنين ولا يمتد إلى أماكن أخرى، ولا توجد توقعات بـ'سورنة' الوضع، أي بانتفاضة شعبية ضد أبو مازن. هذا سيناريو احتماليته ضعيفة أساسا بسبب السيطرة المحكمة التي تفرضها اسرائيل على الضفة".

الخوف من الضم
في هذه الأثناء، تزداد التوترات في رام الله مع اقتراب دخول ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة في ما يتعلق بإمكانية أن يسمح لعناصر اسرائيلية بتنفيذ خطوات جذرية، وعلى رأسها الضم، وخاصة لمناطق "C" التي تشكل 64% من أراضي الضفة. أي تصريح إسرائيلي في هذا السياق يلقى اهتماما كبيرا في الخطاب الفلسطيني، أكثر مما يحدث داخل اسرائيل نفسها. على سبيل المثال، تصريحات سموتريتش حول عام 2025 باعتباره العام الذي ستُطبق فيه السيادة الإسرائيلية، أو رغبته في إلغاء الإدارة المدنية، إلى جانب تصريحات سابقة نقلت عن  مسؤولين في الإدارة الأميركية المقبلة، مثل السفير المعين مايك هاكبي، التي تؤيد تعزيز السيطرة الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية.

"عهد ترامب سيُميز بجهود متزايدة لحل الصراع، بما في ذلك إعادة إحياء 'صفقة القرن'"، يوضح البروفيسور علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت ووزير التخطيط والتنمية الأسبق في السلطة "لكن الفلسطينيين يدخلون هذا التحدي من موقف ضعف: منقسمون داخليا، ويفتقرون إلى أجندة وطنية موحدة ومنظمة". 

ويضيف: "إلى جانب الانشغال ببرنامج رفضوه في السابق، سيتعين على الفلسطينيين مواجهة الزحف التدريجي للضم، محاولة إقامة 'دولة غزية' منفصلة، وتسريع وتيرة التطبيع مع العالم العربي".

 

 

نافذة ضيقة من التفاؤل
ترتبط هذه النافذة بمسعد بولس، والد صهر ترامب (وهو من أصول لبنانية مارونية)، الذي تم تعيينه مستشارا لشؤون الشرق الأوسط. يأمل الفلسطينيون أن يتبنى موقفا أكثر اعتدالًا تجاههم مقارنة بباقي عناصر الإدارة القادمة. 

الامتناع عن التدخل في جنين
بعد أن بدأت الترتيبات في لبنان، وتقدمت على الأرجح الترتيبات في غزة، وتشكّل نظام جديد تماما في سوريا، من المتوقع أن تحتل الضفة الغربية موقعا مركزيا في جدول الأعمال الإسرائيلي. 

من المرجح أن تتفاقم مجموعة التهديدات في هذه الساحة، نظرا لرغبة "حماس" وإيران في الحفاظ على حالة التوتر وتعزيز المقاومة في المناطق التي لم يتم فيها التوصل إلى ترتيبات بعد. كل هذا، إلى جانب استمرار التهديدات التقليدية مثل هجمات الأفراد أو الخلايا المستقلة، التي قد ترى نفسها الآن في طليعة الكفاح الفلسطيني.

الحكومة الاسرائيلية مطالبة بسياسة معقدة نظرا للظروف المعقدة في الضفة الغربية، وفي مقدمتها الوضع الداخلي المهترئ ومشاركة إدارة ترامب المتوقعة في القضية الفلسطينية. 

 

 

يجب متابعة عملية السلطة في جنين بحذر: الامتناع عن التدخل (وهو ما يتم بالفعل الآن)، وبالتأكيد تجنب أي تشجيع علني قد يضر بصورة السلطة. إذا فشلت العملية، فستضطر اسرائيل إلى العودة إلى نموذج التدخل المباشر في شمال الضفة. ولكن إذا نجحت، يُوصى بدراسة كيفية تكرار هذا الجهد في نقاط أخرى في الضفة الغربية بالتنسيق مع الأميركيين.

الحديث عن العودة إلى غزة مبالغ فيه في الوقت الحالي، لكن خطوة تساهم في استقرار الوضع في الضفة الغربية قد تكون بشرى إيجابية للكيان. يمكن أن يكون هذا الأساس لنقاش معمق مطلوب حول القضية الفلسطينية، وهي قضية تجنبتها الحكومة الإسرائيلية حتى 7 أكتوبر.

 

اقرأ أيضاً: بيت لحم تستقبل الميلاد بلا شجرة ولا أضواء... حرب غزة آخر الضربات للمدينة ومسيحييها

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.