مسيحيو سوريا من مليونين ونصف إلى 600 ألف والهجرة مستمرة
قداس في كنيسة سورية
Smaller Bigger
 
قدّر المكتب السوري للإحصاء تعداد السوريين عام 2011 بـ 24 مليون نسمة، وبحسب مصادر كنسية معلومة ومراكز أبحاث متعددة معنية بالشأن السكاني، كان المسيحيون يشكّلون من ذلك النسيج الديموغرافي ما تقارب نسبته 10 في المئة، أي حوالى مليونين ونصف مليون نسمة كأقلية كبرى في البلاد.
حافظت تلك الأقلية الكبيرة على وجودها بشكل منتظم ومستمر ومتنامٍ خلال عقود طويلة حظيت فيها بالاستقرار والهدوء ومقومات البقاء بشكل آمن بعيداً من المشاكل وأيّ تجاذبات محتملة خلال مرحلة طويلة.
استقرّ هؤلاء المسيحيون في مدن رئيسية كبرى كانوا يشكّلون قواماً واسعاً فيها، إما على شكل أحياء متراصة كما في دمشق وحلب وحمص ومنطقة الجزيرة السورية، أو على شكلٍ متباعدٍ في مدنٍ تحوي مسيحيين أقل كالجنوب السوري.

في الحرب السورية
  جاءت الحرب على المسيحيين كما على غيرهم هجرةً وقتلاً ودماراً لممتلكاتهم، فدفعتهم إلى الهجرة ليتراجع عددهم إلى نسبة تتراوح ما بين 1 إلى 2 في المئة أيضاً بحسب قول مصادر كنسية لـ"النهار".
وبالعودة إلى إحصائيات المكتب المركزي الذي قدّر سكان سوريا عام 2024 بـ 30 مليون نسمة، هذا يعني أنّ تعدادهم اليوم بات 600 ألف مسيحي بأفضل الأحوال. وحصلت "النهار" على معلومةٍ موثقة تفيد بأنّ ثالث المدن من حيث احتضان المسيحيين في الشرق الأوسط وهي حلب بعد القاهرة وبيروت، كانت تضمّ نحو 500 ألف مسيحي عام 2011، أما اليوم لم يتبقَ فيها سوى 27 ألف مسيحي من ضمنهم الأرمن.

إفراغ الشرق من مسيحييه
هاجر المسيحيون من سوريا على ثلاث دفعات، الأولى خلال سنوات الحرب البدائية اعتباراً من 2012 وحتى 2014، والثانية خلال 2015 وحتى 2017، والثالثة وكانت الأقسى لأنّها ربطتهم ببقية السوريين في السبب، وجاءت بعد عام 2020 تحت موجبات الفقر والحاجة واشتداد الحصار الاقتصادي على بلدهم.
وأوردت منظمة "Aid to the church in need" الخيرية الكاثوليكية ومقرها هولندا في تقرير لها، أن تعداد المسيحيين تراجع إلى نحو 300 ألف فقط، وهو رقم رفضته الكنائس التي تواصلت "النهار" معها، مؤكّدةً أنّ الرقم غير دقيق، وأنّ منظمات معينة خارجية تعمل على التهويل لإخافة من بقي من المسيحيين بوصفهم المكون الأقل عدداً، وبالتالي حثّهم على الهجرة ضمن مفهوم إفراغ الشرق من مسيحييه.

جزء لا يتجزأ
وللحديث أكثر عن الحال المسيحي في سوريا، أجرت "النهار" حواراً مع الخوري اثناسيوس مخول من مطرانية حمص للروم الارثوذكس، الذي تحدث عن دور المسيحيين المشرقيين في بناء سوريا والأمم قائلاً: "إذا انطلقنا من كلام صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الذي أكّد أن جذورنا ضاربة عمق التاريخ منذ القرن الأول ميلادي، سنجد أن لا نبات ولا شجر بلا جذور، فنحن في سوريا دورنا هو حياة ووجود وإرساء للسلام وثبات الهوية، نحن لسنا ألواناً تزين اللوحة أو حجراً ملوناً يلمع في فسيفساء، نحن في التاريخ والأدب والمواطنة اللون والحجر والفسيفساء واللوحة، مع إخوتنا في الوطن نكون سروة نضرة دائمة الخضرة تصدّ العواصف وتعطي منظراً مريحاً للعين".
وأضاف: "كنا وما زلنا نقدّم العلم من خلال مدارسنا وجامعاتنا الخاصة،  وإنسانياً أسسنا جمعيات عدة عملت على مساحة الوطن مع الجميع من دون تمييز ولا تزال تعمل بكل إنسانية وأمانة، قدمنا الطب من خلال المستشفيات والمستوصفات الخاصة، والعالم الأوروبي اليوم يشهد لأطبائنا المسيحيين الذين يتخصصون ويعملون في المستشفيات الحكومية، بنينا وعملنا في حرف عدة وأسواق الشام تشهد وصناعيو حلب يعرفون من هم المسيحيون الأرمن، والفن والرسم والشعر تشهد لوجود مسيحيي سورية المؤثرين فيها، سوريا كانت ونأمل بأن تبقى البيت للجميع، يطورونه ويجملونه ويعملون به بقلب واحد كل له قيمة وخصوصية واحترام متبادل كما عهدناها".
 

حال المسيحيين في عقد وبضع
وعن أحوال المسيحيين خلال الحرب أجاب الكاهن: "هذا أصعب سؤال ممكن أن أجاوب عنه، لأني عشت مع أهلي ورعيتي الحماصنة الشيء الكثير. ذاق المسيحيون الويلات (نزوح متكرر، خطف وابتزاز ابتداء من الأبوين إسحق وميشال والمطرانين بولس ويوحنا انتهاءً بالمدنيين). كانت أحوالهم المادية في تدهور مستمر مثلهم مثل الكثيرين، لم تكن المعاملة معهم خلال الحرب سيئة من الأطراف المتنازعة في الظاهر، لكن على أرض الواقع كان الأمر مختلفاً قليلاً، والحوادث القليلة سبّبت الرعب والخوف ما اضطرهم إلى الهجرة بأعداد كبيرة، فخسرت البلاد والكنيسة الشباب والكفاءات وعانت العائلات من التشتت، أما من ناحية الصلوات والحرّية الدينية فكانت كاملة الحرّية، ونأمل بأن تستمر لأن حياة المسيحي في الصلوات والممارسات الدينية والتعليمية". 
وأشار  إلى بعض الحالات المحزنة من قتل وخطف واعتقال كانت غير مقصودة بسبب خطأ أو وشاية أو صدفة تواجد في مكان اشتباك مثلًا، مؤكّداً أنّه لا يستطيع نسيان الكاهنين اللذين قُتلا، باسيل في كفربو وفادي في قطنة، ومعتبراً أنه "لا يهمّ من الفاعل، الكلام هنا عن حال محزن ومؤلم. كل هذه الأحداث شجعت على الهجرة والترحال للأسف. والقلق والخوف لمن تبقّى. لكن رجاءنا دوماً في محبة الله وعنايته الابوية".

استعادة المسيحيين
وعن محاولة استعادة المسيحيين إلى وطنهم وجهود الكنائس في ذلك أجاب، بأنّ استعادتهم إلى وطنهم حالياً في ظل هذه الظروف تبقى صعبة وفردية "كل المطرانيات مدعومة من البطريركية تشجع العودة، لكن على أسس وواقع يعمّ فيه الأمن ويثبت فيه القضاء العادل والحر والاقتصاد القوي  والعلم الحديث. الجهود المبذولة من المطرانيات هي تحقيق فرص عمل ودعم لتأسيس عائلات وتربية الأطفال ودعمهم لمن يعود، ولكن بشكل خجول، لأن الحاجة كبيرة والإمكانيات ضعيفة لأسباب عديدة ومنها الحصار"، على حدّ تعبيره.

وقف نزف المسيحيين
وترى المطرانية أنّ النزيف يتوقف بتحقيق العدالة والحرية وتطوير المنهج التعليمي وعدم التعاطي بمصطلح الأقليات، فهو مصطلح سلبي ومهين، ويحرمها من حقوق المواطنة الكاملة وحب الأرض التي عاشت فيها، ويتوقف النزيف عندما يشعر المسيحيون أنهم أفراد عائلة لا ضيوف من درجة ثانية. فكل مكون هو عنصر أساس ومكمل، ولا يمكن لسوريا أن تحيا من دون مكوناتها أجمع، "هذا ما نعمل عليه ونتمناه لبلدنا ولشعبنا الذي عانى ١٣ عاماً من الخوف والقلق وعدم الاستقرار"، قال الكاهن، مختتماً كلامه بالقول: "المجد لسوريا حرّة أبية".


مكوّن أصيل 
الباحث في التاريخ سليمان صبور أكّد لـ"النهار" أنّ ما يحصل أو ما حصل من تهجير للمسيحيين هو عملية ضربٍ حقيقية لسوريا بأكملها، ولواحدٍ من أكثر المكونات أصالة وعراقة داخلها، إذ إنّ الوجود المسيحي يرقى في سوريا، وحمص تحديداً إلى القرن الأول الميلادي، وفيها ثالث أقدم كنيسة في العالم تعود إلى عام 56 ميلادياً، وهي كنيسة أم الزنار التي تحوي زنار السيدة العذراء حتى اليوم.

تنحية الخلافات
ورأى الأكاديمي أنّ ما حصل كان يستدعي دقّ جرس الإنذار منذ مرحلة مبكرةٍ للغاية، مشيراً إلى أنّه اطلع على دراسات بحثية تفيد بأنّ سوريا فعلياً قد تكون خالية من المسيحيين خلال ثلاثة عقود قادمة، وهذا يعني بلداً بلون واحد، بعد أن كان البلد مكوناً من نسيج هائل الاتساع، وضمنه المسيحيون الذين كانوا بناةً حقيقيين للوطن، ومنهم الزعيم التاريخي فارس الخوري أحد مؤسسي الأمم المتحدة ووزير الأوقاف في مرحلة ما بعد الاستقلال.
 
 

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/15/2025 8:43:00 PM
 خلف الحبتور: في موقف يعكس غطرسة لا حدود لها، يخرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليأمر سكان غزة بإخلاء مدينتهم، وكأنها ملك له يوزع أهلها كما يشاء
المشرق-العربي 9/12/2025 12:25:00 PM
إقفال منتجع "إكس بيتش" في منطقة وادي قنديل في محافظة اللاذقية.
شمال إفريقيا 9/15/2025 11:56:00 AM
محاكمة سيدة متهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا
لبنان 9/14/2025 2:53:00 PM
 تغيير مسار طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط المتجهة من بيروت إلى مطار هيثرو في لندن بسبب عارض صحي أصاب أحد الأطفال