المرأة السورية بعد التغيير الكبير: مؤشرات لا تطمئن وخطاب صادم

المرأة السورية بعد التغيير الكبير:  مؤشرات لا تطمئن وخطاب صادم
سوريات رسمن علم المعارضة على وجوههن.
Smaller Bigger


بدأت تظهر مؤشرات كثيرة على افتقار "هيئة تحرير الشام" وكوادرها القيادية والإدارية إلى الخبرة الكافية في التعامل مع مجتمع متنوع دينياً وعرقياً كالمجتمع السوري. وقد لوحظ في أداء الكوادر التي فُوّضت إليها إدارة بعض المحافظات والمدن الكثير من الارتباك والارتجال، ما تسبب بنفور ممزوج بالخوف لدى فئات من السوريين، ولا سيما النساء. 
وعلى الرغم من الخطاب المطمئن الذي حرصت إدارة العمليات العسكرية على بثّه طوال الأيام الماضية لتأكيد احترام جميع السوريين وضمان أمنهم والابتعاد عن منطق الانتقام والثأر، وكفالة حقوق جميع المواطنين وغيرها من التطمينات، فقد ظهرت فوارق شاسعة بين ما يقال على المنابر وما يجري على الأرض، وهو ما أوقع السوريين في حيرة وتركهم في قبضة دوافع غريزية. بعضها يدفعهم إلى الوثوق بالخطاب المقدَّم من قيادة إدارة العمليات من أجل إعطاء القيادة الجديدة فرصة ليستتب الأمر لها قبل انتقادها ومحاسبتها، وبعضها الآخر يضطرهم إلى استرجاع ذكريات مريرة وغير مطمئنة عايشوها سابقاً مع نسخة "جبهة النصرة" القاعديّة قبل أن تتحول إلى "هيئة تحرير الشام" وترتدي لبوس الاعتدال. 
قد يكون من الطبيعي أن ينكفئ المواطنون وخصوصا النساء في منازلهم في الأسبوع الأول بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد وما تلاه من أجواء غير طبيعية سواء لجهة الانفلات الأمني أو مشاعر الحذر والترقب التي انتابت نفوس السوريين وهم يعيشون لحظة تغيّر تاريخية. لذلك فإن التزام النساء منازلهن في الأسبوع الأول وحرصهن على عدم الخروج إلا للضرورة القصوى بسبب الخوف من الفوضى السائدة والتي تمثلت في عمليات السلب والمضايقات والشتائم، يمكن اعتباره نتيجة متوقعة ومرتبطة بطبيعة المرأة وخوفها الفطري على نفسها. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل حصلت "النهار" على شهادات كثيرة تدل على أن ثمة نهجاً واضحاً لدى مفوَّضي إدارة العمليات العسكرية يقضي بإعادة رسم واقع المرأة السورية وحدود تفاعلها في المجتمع.
ولا بدّ من التنويه بأن طابع الارتجالية غلب أيضاً على صدور بيانات حملت مضموناً منفتحاً ومطمئناً، سرعان ما تم التنصل منها، وهو ما ساهم في زيادة حيرة السوريين الذين وجدوا أنفسهم من دون مرجعية واحدة يمكن أخذ الخطاب الحقيقي منها.

يمنع التدخل في لباس النساء

فعلى سبيل المثال، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها صفحة جريدة "الوطن" التي أصبحت تقتصر على نشر ما تقول إنه صادر عن القيادة العامة، بياناً نصّ على أنه "يمنع منعاً باتاً التدخل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلق بملابسهن أو مظهرهن، بما في ذلك طلب التحشّم. نؤكد أن الحرية الشخصية مكفولة للجميع، وأن احترام حقوق الأفراد هو أساس بناء وطن متحضر".
غير أن موقع "حلب اليوم" نقل عن مسؤول التواصل في وزارة الإعلام في "حكومة الإنقاذ" محمد الأسمر نفيه صدور هذه البيانات عن أي جهة رسمية، مشيرا إلى أن مصدر هذه الادعاءات هو صفحات إعلامية كانت معروفة بموالاة بشار الأسد.
وفي هذا السياق، شكلت التفاصيل التي سُربت عن الاجتماع الذي عقده وفد إدارة العمليات العسكرية في قصر العدل في حمص مع القضاة والمحامين صدمة كبيرة للحاضرين، لما تضمنه من انفصام عن الواقع الجديد ومحاولة إسقاط المفاهيم الحاكمة في إدلب على مجمل المجتمع السوري ومؤسسات دولته. فقد تحدث رئيس الوفد "أبو عبدالله" بمنطق غريب مستخدماً مصطلحات شرعية وإسلامية غير موجودة في واقع المحاكم السورية، مثل مصطلح "المحكمة الشرعية في حمص"، وهو لا يقصد المحكمة الخاصة بالزواج والطلاق بل قصر العدل بمجمله، كذلك استخدم تعبير "السنّة" عوض القانون. ولكن أكثر ما أثار الاستنكار والاستهجان أن "أبو محمد المصري" عضو الوفد، منع المصافحة بين الرجال والنساء، ثم طلب من النساء، وهنّ قاضيات ومحاميات، الجلوس في الصفوف الخلفية وراء الرجال، وتضمن الحديث إشارات واضحة إلى ضرورة التزام النساء ارتداء الحجاب.

تفاصيل صادمة

ورصدت "النهار" حسابات عدة على الفيسبوك نشرت تفاصيل صادمة عن الاجتماع، وذكر أحدها أنه "تم منع القاضيات من دخول القصر العدلي من دون حجاب، وفُصلن عن الرجال في أثناء الاجتماع، ومُنع أي زميل من الجلوس حيث تجلس النساء".  
واتصلت "النهار" بمصدر حضر الاجتماع فأكد صحة ما ذكر من تفاصيل وقال إن الاجتماع تخلله منع السلام بين النساء والرجال، وطلب الحجاب من اثنتين على الأقل، لكنه شدد على أن "الموضوع ليس ذا أهمية لأنه كان موقفاً ارتجالياً وليس من الهيئة، وكان تقديراً خاطئاً قانونياً من أحد المشايخ"، مؤكداً أن "الأمور عادت كما كانت"، لكنه لم يشرح كيف عادت.
كذلك قال مصدر لـ"النهار" حضر اجتماع وفد إدارة العمليات العسكرية مع أبناء مدينة يبرود في ريف دمشق في مبنى المركز الثقافي، إن الوفد طلب من النساء الجلوس في الصفوف الخلفية وراء الرجال.
وقد جاءت تصريحات صادرة عن علي المغربي المفتش الأول في وزارة العدل في "حكومة الإنقاذ" كأنها للرد على ما جرى في اجتماع قصر العدل في حمص، لكنها تضمنت فقط نفياً لصحة ما يشاع عن إمكان نزع ولاية القضاء من المرأة، فأكد أن حكم المرأة القاضية قائم ولا مساس به، لكن التفاصيل الأخرى لم تُذكر لا نفياً ولا تأكيداً.

 

الأكثر قراءة

تركيا 11/12/2025 8:41:00 AM
دفع المدير، التلميذ البالغ من العمر 13 عاماً بقوة عن الدرج، ثم ابتعد تاركاً إياه يتألم على الأرض من دون تقديم أي مساعدة.
لبنان 11/13/2025 3:19:00 PM
جعجع: مستقبل لبنان القريب  يجب ألّا يكون محصوراً بين خيارَي الحرب الأهلية أو حرب إسرائيلية جديدة
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.