الساحل السوري يترقّب بقلق... دعم الجيش ضروة أم خيار؟

الساحل السوري يترقّب بقلق... دعم الجيش ضروة أم خيار؟
مسلحون يقفون على طائرة تابعة للجيش السوري بعد سيطرتهم على قاعدة عسكرية في حماة (ا ف ب)
Smaller Bigger

تعيش منطقة الساحل السوري حالة من التوتر ربما لا توازيها إلّا الحالة التي شعر بها أهلها عندما سيطر "جيش الفتح" على مدينة جسر الشغور وريفها عام 2015 وأصبح ملتصقاً بريف اللاذقية بما يمثّله ذلك من تهديد مباشر.

يستذكر أبناء الساحل غزوة عام 2013 عندما اقتحمت الفصائل المسلحة، بما فيها تنظيم "داعش"، قرى ريف اللاذقية التي يقطنها مواطنون من الطائفة العلوية وعاثوا فيها قتلاً وتدميراً قبل أن تتدخّل الدول الداعمة وتأمرهم بالانسحاب، لكنّ المنسحبين اصطحبوا معهم آنذاك مئات المخطوفين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.

وعلى مدار الأيام السابقة منذ اندلاع معركة "ردع العدوان"، كان الساحل السوري قبلة النازحين والفارّين من بيوتهم باحثين عن ملجأ آمن. عشرات الآلاف جاؤوا إلى طرطوس واللاذقية وجبلة وبانياس، من حلب وحماة وأخيراً من حمص. كما فضّل بعض المقيمين في دمشق العودة إلى الساحل قبل أن تنقطع الطرق بسبب التطورات المحتملة، على أن يظلوا عالقين في العاصمة أو على الطرقات لضبابية ما يجري وتوقّعهم أن يحدث أيّ شيء في أيّ لحظة.

 

وحشية ونعومة... وأمل أقل!

تختلف روايات النازحين حول معاملة مقاتلي "ردع العدوان" لهم. بعضهم يتحدث عن وحشية وضرب وشتائم، وبعضهم يعتبر أن أسلوبهم الناعم الجديد ما هو إلّا خدعة لن تستمرّ طويلاً قبل أن ينكشف وجههم الحقيقي، لكن هناك شهادات تدلّ إلى أنّ أصحابها فوجئوا بالطريقة اللائقة التي تعامل فيها المسلّحون معهم، وعبّروا عن ندمهم لأنّهم أسرعوا في الخروج من بيوتهم نازحين. لكنّ الخوف يبقى أقوى من كلّ شيء وسؤالهم الجوهري هو ما الذي ينتظرهم وقد وجدوا أنفسهم فجأة في مهبّ رياح التطوّرات؟

بدأ طرح الأسئلة الوجودية يتنامى في الأحاديث، معبّراً عن مدى عمق القلق الذي يشعر به أبناء الساحل والوافدين الجدد. انسحاب خلف انسحاب كانا كفيلين بإثارة القلق في النفوس وهزّ الثقة بالجيش السوري رغم محاولات الغالبية الالتفاف على ذلك وصوغه بتعابير أقلّ حدّة. وقد جعلهم ذلك غير محصّنين ضدّ الدعايات الإعلامية، سواء الإيجابية أم السلبية، وكأنّهم يبحثون عن قشّة يتعلقون بها. ولكنهم سرعان ما يكتشفون أن الجيش هو سندهم الوحيد وأنه مهما حصل لا يمكن إلّا أن يخلقوا لأنفسهم أسباباً تجعلهم يستعيدون الثقة به أو يتظاهرون بذلك.

أعينهم كانت على حلب، ثمّ راهنوا على حماة، والآن يتطلّعون إلى حمص ولكن بأمل أقل وخيبة مسبقة. يكاد يكون ثمّة إجماع على أنّ ما بعد حمص سيضع مصيرهم على المحكّ. واحتمال أن ينعزل الساحل عن باقي سوريا وعن العاصمة دمشق يؤرق الناس وسط تسارع في ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة وفقدان بعض السلع من الأسواق. ويكاد الهمّ المعيشي وتأمين المستلزمات الغذائية يكون مجرّد قناع للهمّ الأعمق الذي لا يبوحون به إلّا في مجالس خاصة.

 

متى يستفيق الروسي؟

الكتف الروسي ممثلاً بقاعدتي حميميم وطرطوس فقد وهجه في عيون أبناء الساحل، ولم يعودوا مطمئنين إليه. خذل الروس توقّعاتهم أكثر من مرّة خلال الأيام الماضية، فهم لم يتدخّلوا في حلب وكان ذلك مقبولاً لأنّ حلب سقطت من دون مقاومة، ولكنّ الجيش قاتل بشراسة في ريف حماة والدعم الروسي لم يكن على المستوى المطلوب، وها هم يواصلون مراقبة الوضع مع وصول المسلحين إلى مشارف حمص، ويتساءل أبناء الساحل عن الخطّ الذي سيجعل الدبّ الروسي يفيق من سباته.

إلقاء اللوم على الإيرانيين كان أقلّ حدّة من إلقائه على الروس، وذلك لأنّ معظم أبناء الساحل كانوا يميلون إلى موسكو أكثر من طهران لأسباب كثيرة تتراوح بين السياسي والديني.

 

"جئناكم بالذبح"... من ذكريات المآسي

وباستثناء قلّة من أصحاب الرؤوس الساخنة، فإن غالبية أبناء الساحل لديهم قناعة راسخة بأنه لا حلّ للأزمة السورية إلّا عن طريق السياسة. وما يحزّ في أنفسهم أنّ فرصاً كثيرة أهدرت خلال السنوات الماضية كان في الإمكان اغتنامها للتوصّل إلى حلّ مع معارضين معتدلين. أمّا اليوم فإنّ الحلّ السياسيّ، المرشّح الوحيد له سيكون تنظيم "هيئة تحرير الشام" الذي لا يزال كلّ أبناء الساحل يسمّونه باسمه القديم "جبهة النصرة".

"جبهة النصرة" اسم يكفي كي يجعل شريطاً طويلاً من ذكريات المآسي والمعاناة يعبر في أذهان السوريين محرّكاً أوجاعهم ومخاوفهم القديمة. شعار "جئناكم بالذبح"، والممارسات في ريف اللاذقية، والتحريض الطائفي والتكفير والقتل على الهوية، كلّها ذكريات محفورة في ضمير أبناء الساحل ولا يمكن أن ينسوها مهما حاول أبو محمد الجولاني تلميع صورته.

لكن المفارقة هي أنّ الوحش الذي خافوا منه أصبح على ما يبدو مقبولاً لدى العديد من الدول، وهناك من يحاول غسل تاريخه.

 

الترقب سيّد الموقف في الساحل، ولا تبدو الخيارات أمام أبنائه كثيرة، لكن من غير المتوقّع أن يتّخذوا مسافة من الجيش بل سيظلون حاضنته وحصنه حتى آخر رمق، وهو ما يزيد المخاوف من أن تتّخذ التطوّرات في الساحل مساراً مختلفاً عمّا حدث في حلب وحماة وما يمكن أن يحدث في حمص في أيّ لحظة. هم يقفون في معقلهم الأخير وليس هناك مكان آخر ينزحون إليه.


الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت