عضو لجنة تحكيم "نوابغ العرب 2025" أدريان لحود لـ"النهار": الإبداع العربي حاضر… ويحتاج فقط إلى أن يُروى
يرى الدكتور أدريان لحود، عميد كلية العمارة في الكلية الملكية للفنون وعضو لجنة تحكيم "نوابغ العرب 2025"، أن ما يميّز هذه المبادرة عن غيرها عالمياً هو سعيها إلى إعادة الاعتبار للمواهب العربية داخل العالم العربي نفسه، وفي حديث لـ "النهار", قال إنّ الهدف من هذه المبادرة هو التصدّي أولاً لواحدة من أكثر القضايا المزمنة التي تواجه المنطقة، وهي هجرة العقول: "المشكلة ليست جديدة، وقد حصلت معي شخصياً حين اضطر والدي إلى مغادرة لبنان عام 1956 للدراسة في أستراليا بسبب محدودية الفرص آنذاك، وعلى الرغم من تعقيدات هذه الظاهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فإن أهمية المبادرة تكمن في خلق مساحات للاعتراف والفرص داخل الإقليم، بما يساهم في كسر هذا المسار المستمر".
"نوابغ العرب"، هي مبادرة أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة
الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بهدف اكتشاف النوابغ، وتقديرهم، وتمكينهم، وتعظيم أثر عملهم في العالم العربي في مجالات العلوم، الطب، الأدب والفنون، الاقتصاد، الهندسة والتكنولوجيا، والعمارة والتصميم، لإحياء الحضارة العربية وتقديم دعم مالي للأبحاث والمشاريع، وتُمنح سنوياً في كل فئة. تشمل المبادرة أيضاً برامج لدعم المواهب مثل "برنامج نوابغ الفضاء العرب" لدعم البحث العلمي في الفضاء.
وهذا العام، فازت الدكتورة سعاد العامري، عن فئة العمارة والتصميم، تقديراً لما حققته على مدى أكثر من ثلاثة عقود في صون التراث المعماري العربي وتقديمه إلى الجمهور العالمي.
الدكتورة سعاد العامري الفائزة بمبادرة "نوابغ العرب 2025"
وفي حديثه عن تميّز تجربة الدكتورة سعاد العامري، يلفت لحود إلى أن حماية المباني التاريخية وإعادة تأهيلها ومنحها حياة جديدة تمثل دوراً معمارياً لا يقل أهمية عن ابتكار أشكال جديدة. ويؤكد لـ "النهار" أن الحفاظ على البيئة العمرانية التاريخية بات اليوم أكثر إلحاحاً، لا سيما في العالم العربي، في ظل ضغوط التطوير والهدم. ويعتبر أن تجربة مؤسسة "رواق" في فلسطين تمثل نموذجاً ريادياً على مستوى المنطقة، لما حققته من إنجازات في إعادة استخدام المباني التاريخية وحمايتها، رغم ظروف سياسية وإنسانية بالغة التعقيد، مشيراً إلى أن دروساً ثمينة لكل مدينة عربية في هذه التجربة.
من مشاريع مؤسسة الدكتورة سعاد "رواق" لإعادة إحياء بلدة قلنديا في فلسطين
وعن دور الجوائز الفكرية والمعرفية، يشرح لحود أن دعم الإبداع ليس ترفاً ولا مجرّد تكريم رمزي، بل ضرورة أساسية، لأن الإنتاج العلمي والثقافي يشكّل جوهر الحياة المعاصرة: "العلماء والمفكرون والفنانون يلعبون دوراً إرشادياً في مجتمعاتهم، ما يستوجب تقدير مساهماتهم ضمن منظومة متكاملة تشمل التعليم، وتمويل البحث العلمي، والابتكار، وسوق العمل، مع دور محوري للجامعات في هذا السياق".
أما عن مفهوم "العبقرية» ومعايير تقييمها، فيوضح أن العبقري هو من يقدّم إسهاماً فريداً لا يُقارن في مجاله. وفي العمارة والتصميم، ترتبط المعايير بتحسين البيئة الإنسانية، والاستدامة الاجتماعية والبيئية، إضافة إلى الجمال والأصالة. ويشير إلى أن المنطقة العربية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، تزخر بقصص نجاح ملهمة تستحق أن تُروى، في مواجهة الصورة النمطية السائدة خارج المنطقة، والتي غالباً ما تختزل العالم العربي في الصراعات والمشكلات، واصفاً المشاركات العربية في مجال العمارة والتصميم بأنها تعكس "تنوّعاً لافتاً وازدهاراً متزايداً في المواهب، مدعوماً بإقبال متنامٍ من الطلاب واستثمارات متزايدة في هذا القطاع، ما ينبئ بمرحلة قادمة من الإنجازات الكبرى".
من مشاريع مؤسسة الدكتورة سعاد "رواق" لإعادة إحياء قرية برزيت
وفي سياق حديثه عن تحوّلات التعليم المعماري، يرى أن التغيير الأبرز خلال العقد الأخير يتمثل في الوعي المتزايد بالأثر البيئي للبناء، إلى جانب تحوّل مراكز الثقل في الاستثمار والبناء من الغرب نحو آسيا، ثم العالم العربي وأفريقيا. ويرى أن العمارة باتت تُستخدم اليوم كأداة للتحوّل الاجتماعي، خصوصاً في المجتمعات التي تشهد نمواً سكانياً وتسعى إلى تنويع اقتصاداتها.
وختم حديثه متطرقاً إلى مستقبل العمارة في ظل الذكاء الاصطناعي، فالتحوّل التكنولوجي برأيه سيطال القطاع حتماً، عبر أتمتة المهام المتكررة، ما سيؤثر على طبيعة الوظائف، لكنه في المقابل قد يحرّر المعماريين والمصممين للتركيز على الإبداع. وحذّر في الوقت نفسه من خطر انفصال التصميم عن الواقع المادي للبناء، معتبراً أن المرحلة المقبلة تمثّل لحظة تاريخية تتطلّب وعياً عميقاً بالتحديات والفرص معاً.
نبض