كازاخستان عضو في نادي "اتفاقيات إبراهام": مرحلة جديدة من التطبيع الإقليمي
في خطوة ديبلوماسية تاريخية، أعلنت الولايات المتحدة أخيراً عن انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات إبراهام، لتكون الدولة السادسة في هذا السياق، إلى جانب الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وإسرائيل.
يأتي هذا الإعلان قبل ساعات من قمة (C5+1) في البيت الأبيض، التي تجمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة دول آسيا الوسطى الخمس.

توسع جغرافي - حضاري
يمثل انضمام كازاخستان نقطة تحول حاسمة في تطور اتفاقيات إبراهام، حيث تصبح أول دولة ذات أغلبية مسلمة خارج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنضم إلى الاتفاق. وفيما تتمتع كازاخستان بعلاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل منذ عام 1992، عقب استقلالها عن المنظومة السوفياتية، فإن هذا الانضمام يحمل رمزية تتجاوز المنطق الديبلوماسي التقليدي.
وفقاً للبيان الكازاخستاني الرسمي، يمثل الانضمام إلى الاتفاقيات "استمراراً طبيعياً ومنطقياً لمسار السياسة الخارجية لكازاخستان، الذي يقوم على الحوار والاحترام المتبادل والاستقرار الإقليمي". غير أن مسؤولين أميركيين يقرون بأن هذه الخطوة تظهر أن اتفاقيات إبراهام هي "نادٍ تريد دول كثيرة أن تكون عضواً فيه".
كذلك، يأتي قرار كازاخستان في سياق جهود إدارة ترامب لإعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية بعيداً عن النفوذين الروسي والإيراني التقليديين. وتمثل آسيا الوسطى منطقة استراتيجية حيوية غنية بالموارد الطبيعية والمعادن الاستراتيجية، حيث تملك كازاخستان أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم. وبما أن أوزبكستان المجاورة تمتلك احتياطيات ذهبية ضخمة، فهذا يجعل المنطقة محط اهتمام أميركي متزايد، في ضوء السعي الأميركي - الأوروبي لتنويع سلاسل التوريد، والحد من الاعتماد على الصين.
وهكذا، دخول كازاخستان في الاتفاقيات يتيح لدول أخرى في المنطقة، مثل أذربيجان وأوزبكستان، اتخاذ خطوات مماثلة، وربما يؤدي إلى تشكيل تحالف أوسع داخل منطقة "C5"، يضم دولاً عدة في آسيا الوسطى، ما قد يتيح الفرص لتعاون استراتيجي ثلاثي معزز بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى، ويُخرج الاتفاقيات من فئة "الاتفاق الإقليمي" إلى فئة "الانخراط العربي والإسلامي".
إلى ذلك، يرتبط توسع اتفاقيات إبراهام بمشروع ربط آسيا الوسطى بالمتوسط عبر "الممر الأوسط" (Middle Corridor) الذي يعبر القوقاز. ويترافق هذا الأمر مع إعادة تفعيل ممر النقل التركي - السوري، وإعادة بناء سكة حديد الحجاز (الأردن - سوريا – تركيا)، ما يتيح أيضاً فرصاً لربط التدفقات التجارية من آسيا الوسطى بممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا الاقتصادي (India-Middle East-Europe Economic Corridor) أو (IMEC)، الذي تمثل إسرائيل فيه نقطة دخول رئيسية إلى البحر المتوسط. وهكذا، يأخذ التطبيع طابعاً اقتصادياً أكثر منه سياسياً.

عوامل مجاورة
ثمة متغير محوريّ على واشنطن أن تأخذه في الحسبان: إنه دور تركيا. ربما لن تتدخل أنقرة مباشرة لتقويض إنجاز ترامب الديبلوماسي، لكن تأثيرها في نظرائها "التركمان" في آسيا الوسطى والقوقاز يمكنها من إفساد فرحة الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام.
ولا ننسى أن تدهور العلاقات الإسرائيلية - التركية خلال الحرب على غزة عامل لا يستهان به، إذ قطعت تركيا العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، وأغلقت أجواءها أمام الطائرات الإسرائيلية، وحظرت دخول السفن الإسرائيلية، وساهمت في منع حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قمة السلام في شرم الشيخ.
بالتالي، إن تمكنت واشنطن من انتزاع اعتراف من أنقرة بدورها القيادي في القوقاز، فهذا يعبّد الطريق أمام توسيع الاتفاقيات مع إسرائيل، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
إلى ذلك، يأتي إعلان كازاخستان قبل أيام قليلة من زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للبيت الأبيض في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، والزيارة المتوقعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن في 18 الجاري. وبحسب المراقبين، ليس هذا تسلسلاً زمنياً عشوائياً. يقول مسؤولون أميركيون إن النجاح في استمرار وقف النار بغزة "يمنح توسيع اتفاقيات إبراهام زخماً إضافياً"، علماً أن هذا الزخم يتوقف عند الموقف السعودي المبدئي بالتزام مبادرة بيروت العربية للسلام (2002) التي تشترط اعترافاً إسرائيلاً جدياً بحلّ الدولتين.
بالنسبة إلى سوريا، ما زال انضمامها إلى الاتفاقيات مطروحاً، فثمة مفاوضات سورية – إسرائيلية جارية اليوم بوساطة أميركية بشأن تخفيف الحصار وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب السوري.
نبض