دفاع سعودي باكستاني مشترك تحت المظلة النووية... قلق في واشنطن ومواكبة للتعددية القطبية
في زحمة أحداث تتخبط فيها منطقة الشرق الأوسط، مرّ حدث في 16 أيلول/سبتمبر 2025 قد يكتب التاريخ عنه أنه كان بداية إنشاء "ناتو" في المقلب الآخر من هذا العالم، مدعماً بطاقة نووية عسكرية باكستانية، وطاقة نفطية تتربع عليها المملكة العربية السعودية.
في هذا اليوم، كانت الرياض على موعد لاستقبال رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، بناءً على دعوة من وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
والمحصلة انتهت بتوقيع "اتفاق دفاع استراتيجي مشترك بين البلدين"، يأتي في إطار سعي باكستان والسعودية لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، بحسب البيان الرسمي. ويؤكد البيان نفسه أن الاتفاقية تهدف إلى "تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء... وأي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما".
هذه الاتفاقية وقف عندها عدد من الباحثين عارضين لبعض جوانبها العسكرية والأمنية والاقتصادية. وفي حديثهم إلى "النهار" وضعوا هذا "الحدث" بمثابة ردّ عُمل على تسريع خطوط توقيعه بعد الاستهداف الإسرائيلي لدولة قطر.
الردع النووي
مسألة "تعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء" أثارت أسئلة بشأن ما إن كانت تشمل الأسلحة النووية، وقبل الاستفاضة في التفسير والتحليل، حسمها وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف لقناة "جيو نيوز" الباكستانية، بأن قدرات بلاده النووية "يمكن أن تُستخدم" في إطار اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك التي أبرمتها إسلام آباد مع الرياض.
وسبق ذلك تصريح لـ"رويترز" قال فيه آصف إن الأسلحة النووية "ليست على رادار" الاتفاقية. وإنه "ليست لدينا أي نية لاستخدام هذه الاتفاقية في أي عدوان... ولكن إذا تعرض الطرفان للتهديد، فمن الواضح أن هذا الترتيب سيصبح ساري المفعول".
الباحث السعودي في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور محمد صالح الحربي، يؤكد أن هذه الاتفاقية شاملة على كافة المستويات العسكرية سواء كانت تقليدية أو نووية، "لكن سلاح النووي هو للردع ولا يمكن استخدامه في هذا العصر".
ويضيف الحربي، في حديثه مع "النهار"، أن القدرات النووية هي لتوازن الردع فقط لا غير، "إنما لدى المملكة العربية السعودية مشروع عملاق لإنشاء مفاعلات نووية لأغراض سلمية تحت مظلة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية".

وتأتي اتفاقية السعودية مع البلد الإسلامي النووي الوحيد في العالم، بعد نحو أسبوع من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، واستهداف قادة "حماس". وقد رأت باكستان في الاتفاق مكاسب لكل الأطراف المعنية، وتساهم في تعزيز الأمن الإقليمي.
وفي هذا السياق يشير السفير الباكستاني السابق جاويد حفيظ إلى أن هذه الاتفاقية من شأنها أن تؤدي إلى "تهدئة المخاوف في منطقة الخليج، كما سوف تعزز الأمن في جنوب آسيا من خلال تأثير المملكة على الهند واستثماراتها الهائلة فيها"، ويؤكد في سياق حديثه مع "النهار" على فكرة أن "الأسلحة النووية هي للردع فقط وليس للاستخدام، ولكن لن يكون سهلاً بعد الآن على إسرائيل الاعتداء على المملكة أو باكستان".

وهو ما يوافقه فيه الحربي، إذ يؤكد أن "تحقيق التوازن والتكامل والمشاركة ربما يخفف من حدّة الصراع القائم بين الهند وباكستان والممتد منذ 7 عقود".
وتوازياً يرجح مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكر "أن تنظر واشنطن إلى الاتفاقية ببعض القلق".
تراجع في الثقة
العلاقات السعودية الباكستانية تعود إلى عقود طويلة، واتخذت منحى استراتيجياً أعمق مع زيارة وليّ العهد محمد بن سلمان إسلام آباد في شباط/فبراير عام 2019، والتي تميزت إلى جانب حفاوة الاستقبال، بالاتفاقيات التي وقعت والتي فاقت قيمتها 20 مليار دولار، وتألف الوفد السعودي آنذاك من ما يقارب 1100 مسؤول ورجل أعمال. ومن أبرز المشاريع التي وُقّع عليها إنشاء مصفاة لتكرير النفط في ميناء غوادر، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في قطاعات مختلفة.
وفي العام نفسه، تم تأسيس المجلس الاستشاري الاستراتيجي بين الهند والسعودية، الذي يضم لجان عمل تعنى بالشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية. وتمّ توسيعه لاحقاً ليضم لجاناً وزارية للدفاع. وقد فاق التبادل التجاري بين الدولتين 40 مليار دولار.
إضافة إلى كل ما سبق، هناك مسألة استراتيجية أخرى تجمع الرياض مع نيودلهي يعبّر عنها باسم "الكوريدور الهندي" أو "ممر الهند، الشرق الأوسط، أوروبا" (IMEC)، وهو مشروع ضخم للتجارة والنقل تم الإعلان عنه في قمة مجموعة العشرين في أيلول/سبتمبر 2023، ويُنظر إليه على أنه بديل استراتيجي لـ "مبادرة الحزام والطريق" الصينية.
وبين ثلاثية الهند والسعودية وباكستان تقف الولايات المتحدة، ويعرب شينكر لـ"النهار" في إطار تعليقه على توقيع اتفاقية الدفاع المشترك، عن قلق آخر، إذ "قد تتراجع أيضاً الآمال الأميركية في أن يتنافس الممر الاقتصادي الهندي الشرقي الأوروبي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية".

وفي هذا الإطار يرى حفيظ أن اتفاقية الدفاع المشترك هي "نتيجة فقدان الثقة بالحلفاء الغربيين لاسيما الولايات المتحدة الأميركية"، ويضيف "أن الاعتداء الإسرائيلي على قطر دفع دول الخليج إلى البحث عن خيارات أخرى لصيانة أمنها، فالأحداث الأخيرة في المنطقة برهنت أن الولايات المتحدة يمكنها أن تذهب إلى أي مكان لتحقيق المصالح الإسرائيلية".
رأي لا يخالفه فيه المسؤول الأميركي المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، فيقول إنه في حين أن اتفاقية الدفاع السعودية الباكستانية "كانت على الأرجح قيد الإعداد لبعض الوقت، إلّا أن توقيت الإعلان كان مرتبطاً بشكل شبه مؤكد بالضربة الإسرائيلية في 9 أيلول/ سبتمبر على قادة حماس في الدوحة".
ويضيف: "إن تنويع الشراكات الاستراتيجية هو رسالة واضحة إلى واشنطن بشأن تراجع ثقة السعودية في الضمانات الأمنية الأميركية. كما أنها رسالة سعودية إلى إسرائيل مفادها أن التطبيع ليس في الأفق القريب".
نظام عالمي متغير
الرؤية السعودية الباكستانية لاتفاق الدفاع المشترك بكل مندرجاته التقليدية والنووية، لا يمكن فصلها عن الأحداث التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، والتي تنبئ بقيام نظام إقليمي جديد، في وقت يشهد فيه العالم صراعاً ضخماً لكسر أحادية القطب الأميركي.
وفي السياق يلفت مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكر إلى أن "العلاقات الأميركية الباكستانية مليئة بالتحديات. ويُعد التعاون في مكافحة الإرهاب عنصراً مهماً، ولكن العلاقات العسكرية-العسكرية قد انخفضت في السنوات الأخيرة. وفرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعرفة تجارية بنسبة 19 في المئة على باكستان، وهو أمر مهم، إذ إن الولايات المتحدة هي أكبر سوق تصدير لإسلام آباد".
على الجانب السعودي، فإن العلاقات مع واشنطن هي استراتيجية مرّ عليها منذ عام 1945 أكثر من 14 رئيساً جمهورياً وديموقراطياً، يقول الدكتور الحربي. ويؤكد أن هذه العلاقة "مبنية على المصالح المشتركة خاصة أن جميع العقود والاتفاقات لا تعني إدارة جمهورية أو ديموقراطية، إنما هي مباشرة مع الشركات العملاقة سواء في النفط أو الاقتصاد والمتخصصة في الصناعات العسكرية".
لكنّ الباحث السعودي ينوّه إلى أن العالم يمرّ "بمتغيرات مذهلة" في القرن الحادي والعشرين، و"منطقتنا مهمة فيها نحو 40 في المئة من احتياطات النفط والغاز. حجم الإنتاج 20 في المئة من حجم الإنتاج الكلي في العالم. ونحن الآن في مرحلة توازن في العالم والشراكات... بدأنا نشهد نظاماً متعدد الأقطاب ربما في السنوات العشر المقبلة، خاصة أن الولايات المتحدة أثبتت أنها غير قادرة على قيادة العالم بنظام أحادي".
وبناءً على ذلك تقوم المملكة السعودية بمواكبة هذه التحديات والمتغيرات التي تمرّ في الشرق الأوسط وفي العالم.
نبض