إسرائيل تفتتح مرحلة "خشنة" باغتيال حكومة الحوثي

المكلا - سعيد البطاطي
لا تزال تداعيات الضربة الإسرائيلية التي استهدفت العاصمة اليمنية صنعاء الخميس الماضي، وأدت إلى مقتل عدد من وزراء حكومة جماعة الحوثيين، تلقي بظلالها على المشهد السياسي في اليمن، رغم تأكيدات الجماعة المتكررة أنها تجاوزت الصدمة وعيّنت رئيساً جديداً للحكومة.
في الوقت ذاته، يُجمع كثير من المحللين السياسيين المتابعين للشأن اليمني على أن الضربة التي أودت بحياة رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وتسعة وزراء ومسؤولين آخرين، تُعد من أقوى الضربات التي تلقتها الجماعة منذ تأسيسها قبل أكثر من عقدين، كما تدشّن مرحلة جديدة من الصراع بين الحوثيين وإسرائيل.
يقول ماجد المذحجي، المؤسس المشارك ورئيس مركز صنعاء للدراسات، لـ"النهار" إن الضربة تمثل بداية مرحلة جديدة من الضربات الإسرائيلية التي وصفها بـ"الخَشِنة"، إذ تستهدف قيادات الجماعة بعدما تمكنت إسرائيل من اختراق صفوف الحوثيين والحصول على معلومات دقيقة حول تحركات قياداتهم.
يضيف المذحجي: "يمثل هذا تطوراً نوعياً في التدخل الإسرائيلي في اليمن، حيث انتقل إلى مرحلة أكثر خشونة باستهداف قيادات حوثية وتصفيتهم. ويبدو أن الإسرائيليين نجحوا في سدّ فجوة المعلومات، وأصبح لديهم مصادر موثوقة على الأرض".
وبشأن تداعيات الضربة الإسرائيلية على الجماعة ومستقبلها في الحكم، يرى المذحجي أن صورة الحوثيين كجماعة قوية وقادرة على حماية نفسها ستتآكل تدريجياً، كما قد يتعطل عمل الحكومة الحوثية في إدارة شؤونها والمناطق الخاضعة لسيطرتها، فيما قد يتردد عدد كبير من الناس في الانضمام إلى صفوفها، خوفاً من أن تستهدفهم الغارات الإسرائيلية. ويضيف: "هذه الضربات ستجعل كلفة الالتحاق بالحركة أعلى، بعدما أوضحت إسرائيل أن الثمن هو الموت".
بدت جماعة الحوثيين مرتبكة في الساعات الأولى عقب الضربة، حيث سارعت إلى نفي مقتل أي من قياداتها، قبل أن تعترف لاحقاً بمقتل رئيس الوزراء، مع استمرارها في إخفاء أسماء القتلى الآخرين. وهذا الأمر دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد أن الجماعة ما زالت تتكتم على مقتل قيادات عسكرية بارزة في الضربة.
ورغم إقراره بأن الضربة شكّلت وجعاً معنوياً للحوثيين، يرى المذحجي أن الجماعة ما زالت قوية، لعدم استهداف قياداتها البارزة. لكنه يتوقع أن استمرار مثل هذه الضربات قد يضعف الحركة على المدى البعيد. ويقول: "هذه أكبر ضربة للجماعة خلال فترة استقرار سلطتها، إذ أثّرت معنوياً لكنها لم تمس البنية العميقة للتنظيم ولا قدرته على التحرك. لم تستهدف الضربة شخصياته الرئيسية، فالمركز القيادي للحركة ما زال قائماً. غير أن استمرار هذه الضربات سيُلحق ضرراً بالغاً بقدرة الحركة على المناورة، وكذلك على تعويض القيادات، وهو أمر مكلف لجماعة لا تزال فتية".
من ناحية أخرى، يرى محمد الباشا، مؤسس شركة باشا ريبورت لاستشارات المخاطر ومقرها واشنطن، أن الضربة الإسرائيلية جاءت نتيجة جهد استخباراتي مكثف، رافق الضربات التي استهدفت منذ تموز/يوليو 2024 البنية التحتية ومراكز الطاقة والنقل في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويتفق الباشا مع المذحجي في أن الضربة لن تُحدث تأثيراً كبيراً في الجماعة حالياً، لأنها استهدفت مسؤولين مدنيين وليسوا قادة عسكريين أو سياسيين بارزين، قائلاً لـ"النهار": "هذه الضربة لن تؤثر على الأرجح في قدرة الحوثيين على مواصلة هجماتهم ضد إسرائيل أو عملياتهم البحرية. فالأشخاص الذين استُهدفوا لم يكونوا من القيادات العسكرية العليا أو من الخبراء في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ أو تشغيلها، وهذا يعني أن الجماعة ما زالت تحتفظ بقدراتها العسكرية".
أما ندوى الدوسري، الباحثة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، فتوقعت في حديث لـ"النهار" أن تتحول الجماعة إلى مزيد من العدوانية تجاه السكان في مناطق سيطرتها، بإطلاق حملات اعتقالات واسعة قد تطال قيادات بارزة داخلها، مع اتهامهم بالتجسس لمصلحة إسرائيل. وقالت: "صحيح أن الضربة لم تستهدف صناع قرار في الجماعة، لكن مقتل كل وزراء الحكومة تقريباً في غارة واحدة يكشف حجم ضعف الحوثيين، خلافاً للصورة التي يحاولون تقديمها للناس باعتبارهم قوة لا تُقهر. كما تؤكد العملية أن إسرائيل قادرة على استهداف قادة الجماعة بالجملة، وهذا يشكّل اختراقاً أمنياً خطيراً".