
تترقب الأوساط الديبلوماسية الدولية النتائج الأولية للمفاوضات المهمة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في مدينة جدة السعودية، مع ترجيح مراقبين صعوبة المحادثات نظراً إلى أنها جاءت في أعقاب الاجتماع الشهير بين الرئيسين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في واشنطن، والذي انتهى بخلاف حاد أمام وسائل الإعلام وبخروج الرئيس الأوكراني من البيت الأبيض مطروداً، ما عطّل التوقيع على اتفاق يضمن وصول الأميركيين إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، وأثّر على استمرار الدعم العسكري الأميركي لكييف في صراعها مع روسيا، علماً أنّ هدف ترامب من اللقاء كان وقف هذه الحرب المستمرة منذ العام 2022 كما وعد خلال حملته الانتخابية.
ويسعى الوفد الأميركي، بقيادة وزير الخارجية ماركو روبيو، إلى تقييم استعداد كييف لتقديم تنازلات لموسكو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، بالإضافة إلى ترميم العلاقات المتصدعة مع إدارة ترامب. وبناء على نتائج المحادثات، سيتم تحديد ما إذا كانت واشنطن ستستأنف المساعدات العسكرية وإن كانت أوكرانيا ستمضي باتفاق المعادن.
وسبق هذه المفاوضات، وصول زيلينسكي إلى المملكة أمس الاثنين، حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حين أفاد مسؤول أوكراني وكالة الأنباء الفرنسية بأنّ بلاده ستقترح هدنة مع روسيا في الجو والبحر خلال المباحثات مع الأميركيين "لأن هذين هما خياران لوقف إطلاق النار يسهل تطبيقهما ومراقبتهما ومن الممكن البدء بهما".
وتُعتبر السعودية، التي حافظت على علاقات متوازنة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، وسيطاً محايداً ومناسباً لاستضافة هذه المفاوضات، التي من شأنها أيضاً أن تُعزّز دورها كوسيط دولي.
ويُعرب الباحث السعودي المتخصص بالعلاقات الدولية سالم اليامي، في حديث لـ"النهار"، عن اعتقاده أنّ "المملكة قادرة على ردم الهوة التي نشأت بعد اللقاء العاصف بين ترامب ونائبه مع زيلينسكي".
ويقول اليامي إنّ "الجانب الأوكراني أظهر مرونة لتصحيح علاقته بأميركا، فعلى الرغم من الدعم والتعاطف الأوروبي إلا أن أوكرانيا تعلم أن المفتاح الحقيقي للحلّ أو للتحرك نحو وقف الحرب مع روسيا هو لدى الجانب الأميركي، كما أن الرئيس الأوكراني يعلم من خلال علاقته الشخصية بسمو ولي العهد أن الأمير محمد قادر على فتح نافذة لإصلاح الخلل الطارئ الذي حصل". ويضيف أنّ "الجانب الأوكراني يعلم مدى ما يمكن أن توفره المملكة من مناخ جيد للقاء والحوار والبناء لرؤية جديدة يمكن التفاهم عليها بين الجانبين".
وبما أنّ نقطة الخلاف الأساس التي وقعت بين ترامب وزيلينسكي تتمحور حول وقف الحرب مع روسيا، تسود تساؤلات عن إمكانية وجود خطة سعودية أو رؤية لجذب الروس والأوكرانيين إلى طاولة مفاوضات مباشرة، وإن كانت تعمل على تذليل العقبات بين الجانبين بالتنسيق مع ترامب.
وفي هذا السياق، يؤكد اليامي أن "المملكة لديها اتصال قوي وقديم بالملف الأوكراني وعلاقات متميزة وتسودها الثقة مع الجانب الروسي، وقد لعبت خلال السنوات الماضية أكثر من دور ساهم في حلّ مسائل تتعلق بتخفيف الصراع والتقليل من آثاره".
ويتابع الباحث السعودي: "يضاف إلى ذلك أن المملكة قدّمت مساعدات كبيرة للجانب الأوكراني، وكان هناك حضور ديبلوماسي سعودي تمثّل بزيارة وزير الخارجية فيصل بن فرحان لكييف على رأس وفد رفيع. كما زار زيلينسكي المملكة أكثر من مرة، وفي إحدى الزيارات فُتحت له منصة لعرض قضية بلاده وطبيعة الصراع مع الروس". ويشير إلى أن كل هذه المعطيات "تؤكد وجود فهم سعودي لطبيعة المشكلة وتفرعاتها، ما يمنحها قدرة حقيقية على التأثير في هذا الملف".
ويرى اليامي أنّ "التنسيق مع كل الأطراف وارد، وأغلب الظن أنه على أعلى المستويات مع القيادتين الروسية والأميركية".
بالمحصلة، رغم أن السعودية لن تكون قادرة على فرض شروط على الأطراف المعنية، إلا أنّها يمكن أن تشكّل منصة محايدة للتفاوض، سواء بين أميركا وأوكرانيا، أو حتى بين روسيا وأوكرانيا، مستفيدةً من علاقاتها الوثيقة مع الأطراف الثلاثة، ما قد يسهم في تقريب وجهات النظر ويعزز فرص التوصل إلى حلّ سلمي للنزاعات السياسية والعسكرية.