محطّات مهمّة للدبلوماسية السعودية... ماذا ينتظرها بعد؟

الولايات المتحدة وروسيا على طاولة المفاوضات في السعودية. على وقع أصوات المعارك في أوكرانيا وخطر انزلاق العالم إلى حرب عالمية ثالثة، جمعت عاصمة المملكة قطبَي العالم لحلّ الخلافات ديبلوماسياً؛ وبتأكيد الطرفين، كانت المحادثات "إيجابية".

بالطبع، ألقى مشهد الرياض بظلاله سلباً وإيجاباً على أطراف عدّة؛ فأوروبا استعجلت لتنضم إلى قطار الحلّ المرتقب، وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جمع القادة الأوروبيين في الإليزيه لبحث الحرب في أوكرانيا، في حين أرجأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي زيارته إلى السعودية لنحو أسبوعين بهدف "عدم إضفاء شرعية" على المحادثات الأميركية – الروسية، وفق تعبيره. ولكن أمام كل هذا، فالرابح المؤكّد هو الديبلوماسية السعودية.

على مدار السنوات الماضية، تمكّنت الديبلوماسية السعودية بقيادة وزير الخارجية فيصل بن فرحان من تحقيق إنجازات على الصعيدين العربي والعالمي، كان هدفها إرساء الاستقرار والسلام الإقليميين والدوليين، انسجاماً مع أحد أهم أهداف "رؤية 2030" التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لقاء ترامب - بوتين

منحت المحادثات الأخيرة، التي قادها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ماركو روبيو، دفعاً للعلاقات بين موسكو وواشنطن، ووضعت الأساس رسمياً لمفاوضات بشأن أوكرانيا، تمهيداً لقمّة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.

قالها ترامب: "سنلتقي على الأرجح في السعودية". فاختيار المملكة لعقد القمّة الروسية – الأميركية يأتي بفضل دورها المحايد في الحرب الروسية – الأوكرانية والعلاقة المتوازنة التي حافظت عليها بين بوتين وزيلينسكي، والوساطات الناجحة التي استطاعت من خلالها الإفراج عن أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى تبادل سجناء بين روسيا والولايات المتحدة.

القضية الفلسطينية

وفرض تسارع الأحداث الديبلوماسية واقعاً موقتاً مع ولاية ترامب الثانية في البيت الأبيض، فيما الأولوية تبقى للقضية الفلسطينية التي تدعمها الرياض على جميع المستويات، إذ تستغلّ الديبلوماسية السعودية كلّ منبر وحدث للتأكيد على حق الفلسطينيين باستعادة أراضيهم وتأسيس دولتهم. والأهمّ قرارها المعلن بعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم تقدّم المفاوضات قبل عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقدّمت المملكة مساعدات دعماً للشعب الفلسطيني في غزة عبر إرسال طائرات إغاثية عدّة تحمل موادّ طبية وغذائية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة.

وعام 2002، قدّمت السعودية المبادرة العربية للسلام خلال قمّة بيروت، ودعت إلى "حلّ الدولتين" لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

إعلان جدّة

استضافت مدينة جدّة من 6 إلى 11 أيار/ مايو 2023 محادثات ثنائية بين طرفي الصراع في السودان، ليكون أول اتّفاق بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوّات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان/ أبريل. وكان الاجتماع برعاية سعودية – أميركية.

ونتج عن هذا الاّتفاق 21 بنداً، أبرزها عدم التعرّض للمدنيين، والسماح بإجلاء الجرحى، وعدم تجنيد الأطفال، والسماح بمرور المساعدات من دون عوائق.

هدنة اليمن

مزّقت الحرب في اليمن منذ عام 2014 البلاد بسبب الصراع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. تشكّل "التحالف العربي" بقيادة السعودية عام 2015 لدعم الحكومة اليمنية الشرعية. وفي 2 نيسان/ أبريل 2022، أعلنت الأمم المتحدة هدنة إنسانية لشهرين بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية السعودية والأمم المتحدة.

مدّدت الهدنة لمرّتين حتّى تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لكنّها لم تتحوّل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وتبادلت السعودية وحركة "أنصار الله" الحوثية زيارات لوفود في إطار جهود التوصّل إلى حلّ ديبلوماسي. وقد حصلت المملكة على دفع دولي في مفاوضاتها للوصول إلى حل سلمي دائم في اليمن.

اتّفاق الصين

في 10 آذار/ مارس 2023، كانت الديبلوماسية تحقّق أبرز إنجازاتها برعاية الصين. استعادت إيران والسعودية العلاقات الديبلوماسية بينهما بعد انقطاعها لـ 7 سنوات. وكان هذا الاتّفاق الإقليمي الأهم في السنوات الأخيرة، إذ أرخى بظلاله على أزمات عدّة، وفيه برز القرار السعودي الواضح بالديبلوماسية طريقاً للحلول.

على أرض المملكة...

جمعت السعودية مجموعة قمم ولقاءات مهمّة عربياً ودولياً، لعلّ أبرزها قمّة العلا عام 2021 التي أنهت الخلاف بين قطر والدول الخليجية.

وانعقدت في جدّة قمّة عربية عام 2023، عادت خلالها سوريا لتشغل مقعدها بعد غياب 12 عاماً.

كذلك استضافت قمّتين عام 2023 "سعودية - أفريقية"، و"عربية - أفريقية"، وقمّة خليجية مع دول رابطة "آسيان"، وقمّة العشرين "2020"، وكانت أول دولة عربية ترأس هذه المجموعة.

إلى ذلك، أطلقت المملكة مبادرات بيئية مثل مبادرة السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر لمكافحة التغيّر المناخي.

وفازت الرياض باستضافة معرض "إكسبو 2030" والحدث الكروي الأهم في العالم كأس العالم 2034.

ديبلوماسية عبر التاريخ...

في أبرز المحطّات، كان للسعودية دور في تحرير الكويت من الغزو العراقي في 1991، إذ قادت الجهود الديبلوماسية والعسكرية ضمن التحالف الدولي. ولعبت المملكة دوراً رئيسياً في اتّفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية.

الديبلوماسية مفتاح الحلول. نهج أثمرت من خلاله الجهود السعودية لتقودها إلى مراكز صنع القرار في العالم.