توطين الفلسطينيين في السعودية... بين استحالة التطبيق وتطيير صفقة التطبيع
من الفوضى الخلّاقة والشرق الأوسط الجديد إلى "ريفييرا" غزّة وإقامة دولة فلسطينية في السعودية، تتنقّل المنطقة من طرح إلى آخر يغيّر الحدود ويبدّل الهويات ويرسي معادلات جديدة، وكلها متغيّرات تمهّد لرسم معالم جديدة للمنطقة هدفها توفير بيئة حاضنة لإسرائيل، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي ومعه تصفية القضية الفلسطينية.
طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينة على الأراضي السعودية كان جديد هذه الطروحات "المجنونة" التي عادت لتطل برأسها بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهي أفكار تتناسق مع الاتجاهات الترامبية، وقد يجد نتنياهو ومعه سياسيون متطرفون في إدارة ترامب التأييد المطلوب والبيئة الخصبة لها.
الباحث المتخصص في أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في مركز "كارنيغي" إبراهيم جلال، يرى في تصريحات نتنياهو "مؤشراً الى مدى النيّة التوسعية لإسرائيل عموماً ومشروعها في المنطقة الذي ليس له حدود"، وبتقديره، هي طروحات "عادة ما تستند إلى سرديات عقائدية"، لكنه يشير خلال حديثه لـ"النهار" إلى أن "السعودية تعي أبعاد هذا المقترح على الفلسطينين وحقوقهم المشروعة".
تلاقي فكرة نتنياهو غضباً عربياً واسعاً، وإلى جانب البيانات الرسمية التي صدرت، يرى رئيس تحرير "عرب نيوز" فيصل عبّاس أن خطوة نتنياهو التي لن تلقى سوى إعجاب "أتباعه من اليمين المتطرف المجانين"، في إشارة إلى أن هذه الطروحات مرفوضة عربياً، قد يكون لها تبعاتها على واقعه السياسي في المنطقة، بعدما تحوّل من "شريك محتمل إلى شخص غير مرغوب به".
مشروع تهجير الفلسطينيين سبق أن نفّذ في محطات تاريخية سابقة، كان أبرزها موجة الهجرة نحو الأردن، وبالتالي فإن السوابق قد تعطيه طابع الجدّية، لكن الرفض السعودي ينطلق من اعتبارات سياسية وأمنية، كون حمل الفلسطينيين قضيتهم معهم في الدول التي يهاجرون إليها قد يثير إشكاليات سياسية وأمنية للسعودية في تجارب مشابهة للأردن ولبنان وسوريا.
كذلك فإن موقع السعودية السياسي والديني الرمزي يقف مانعاً أمام قبول هذا المشروع، وانطلاقاً من أن "الرياض تقود تحالفاً عالمياً من أجل حل الدولتين"، وفق "عرب نيوز"، فإنها بغير وارد المضي بمشاريع "تعزّز الوجود الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني" وفق جلال، "مع العلم أن لهذه الطروحات أبعاداً على الداخل الفلسطيني أكثر من السعودية، التي تواجه ضغوطاً أقل بكثير من مصر والأردن".
ويقول عبّاس إن "الخيارات لها عواقبها" معتبراً أن "التطبيع خارج الطاولة"، ما يطرح علامات استفهام بشأن مستقبل العلاقات السعودية - الإسرائيلية بعدما وصلت الاتصالات بشأنها إلى مراحل متقدّمة وضعت التطبيع قاب قوسين أو أدنى، وبحسب جلال، فإن السعودية "وضعت شروطاً واضحة للتطبيع، على رأسها إقامة دولة فلسطينية".
فهل تطيح طروحات نتنياهو عملية التطبيع؟ هل تطالب السعودية بقيادة إسرائيلية جديدة أقل تطرفاً؟ وهل يمكن اعتبار تصريحات نتنياهو ورقة ضغط لقبول السعودية بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر والتراجع ضمنياً عن شرط إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع؟
لا تخفى محاولات الابتزاز والضغط التي يقوم بها كل من ترامب ونتنياهو لتنفيذ مشاريع الشرق الأوسط الجديد، والطروحات الجانبية كـ"ريفييرا" وغيرها، ولا يستبعد جلال أن تكون تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي "محاولة للضغط باتجاه تهجير الغزّيين إلى دول الجوار، وورقة مناورة محاولاً حشد تأييد من الداخل العربي لصالح الأجندة الإسرائيلية".
لكن مستقبل نتنياهو في السلطة غير محسوم وإن كان قد حقّق "إنجازات" عسكرية قامت على ضرب أركان محور إيران. وبرأي جلال، فإن "الحرب لها شخصياتها والسلام له شخصياته"، وإن كانت تسويات وصفقات بحجم التطبيع مع السعودية تحتاج إلى شخصيات ذات رؤى أكثر منطقية، فإن "الداخل الاسرائيلي أيضاً بحاجة لطرف أقل حدية وأكثر انفتاحاً وجدية لمعالجة متروكات نتنياهو"، وفق جلال.
في المحصّلة، فإن طرح نتنياهو الأخير يفتقد للواقعية السياسية، كما أن الموقف العربي الصلب في هذا السياق وحاجة إسرائيل والولايات المتحدة للسعودية، عوامل معاكسة قد تدفع باتجاه تغيير المقاربة.
نبض