الضربات الجوية في حضرموت تفجّر أخطر تصعيد بين السعودية والانتقالي الجنوبي
دخلت التطورات في المحافظات الشرقية لليمن مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، بعد شن طائرات حربية سعودية ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة حضرموت.
وجاء القصف الجوي بعد يومٍ واحد فقط من بيان شديد اللهجة أصدرته وزارة الخارجية السعودية دعت فيه الانتقالي إلى الانسحاب "العاجل والسلس" من حضرموت والمهرة، ووصفت تحركاته بأنها "تصعيد غير مبرر".
وبينما تداول ناشطون وإعلاميون تسجيلات مصورة للحظة استهداف مواقع جنوبية في معسكر "نحب" بهضبة حضرموت، لم يصدر حتى لحظة كتابة هذا التقرير تأكيد رسمي سعودي مباشر حول العملية، في حين أكدت قناة "عدن" المستقلة التابعة للانتقالي أن القصف كان سعودياً.
بيان سعودي رسمي سبق القصف
وكانت وزارة الخارجية السعودية قد أصدرت بياناً حاد اللهجة، أكدت فيه أن التحركات العسكرية التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة تمت بشكل أحادي "دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف"، الأمر الذي أدى – بحسب البيان – إلى "تصعيد غير مبرر ألحق ضرراً بمصالح الشعب اليمني بمختلف فئاته، وبالقضية الجنوبية ذاتها، وبجهود التحالف الرامية لتحقيق الاستقرار".
وشدد بيان الخارجية السعودية على أن المملكة حرصت طوال الفترة الماضية على ضبط النفس ووحدة الصف، وبذلت جهوداً مكثفة بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية لاحتواء الموقف، بما يحول دون انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مفتوحة.
وأعلنت الرياض أنه سبق إرسال فريق عسكري مشترك سعودي – إماراتي إلى عدن لوضع ترتيبات تضمن "عودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن والسلطات المحلية وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف مباشر من قوات التحالف".

وأكدت الخارجية السعودية أن هذه الجهود لا تزال مستمرة، مع "تعويل واضح على تغليب المصلحة العامة بأن يبادر المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد والخروج السلس والعاجل من المحافظتين"، محذرة في الوقت نفسه من أي خطوات من شأنها “زعزعة الأمن والاستقرار وإحداث تداعيات لا تُحمد عقباها".
وعلى الرغم من حزم الموقف، حرصت الرياض على التأكيد أن "القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية"، وأن حلها يجب أن يتم "من خلال الحوار وجمع كافة الأطراف اليمنية على طاولة تفاوض ضمن إطار حل سياسي شامل"، مع تجديد دعمها لرئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية في مسار تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام.
وقد رحبت الحكومة اليمنية ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالبيان السعودي، معتبرين موقف الرياض "جهداً مسؤولاً" لحماية الاستقرار ومركز الدولة القانوني.
رد مرتفع السقف من الانتقالي
وفي أول رد رسمي على التطورات، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً أكد فيه أن تحركات قواته جاءت "استجابة لدعوات أبناء الجنوب لمواجهة التهديدات الأمنية المتمثلة في الجماعات الإرهابية، وقطع خطوط وإمدادات التهريب التي تستخدمها ميليشيات الحوثي منذ عشر سنوات".
وأوضح البيان أن العمليات في وادي وصحراء حضرموت والمهرة تستهدف "ترسيخ الأمن والاستقرار وحماية مؤسسات الدولة ومعالجة الاختلالات"، مؤكداً في الوقت ذاته انفتاح المجلس على "أي ترتيبات تقوم على أساس حماية أمن ووحدة وسلامة الجنوب وتلبية تطلعات شعبه".
وأشار المجلس إلى أن القصف الجوي "المستغرب" استهدف مواقع لقوات النخبة الحضرمية بعد يوم من "كمين نفذته مجموعات تابعة لعمرو بن حبريش"، معتبراً أن ذلك "لن يخدم أي مسار تفاهم ولن يثني شعب الجنوب عن مواصلة مسيرته لاستعادة حقوقه".
وشدد البيان على استمرار القوات الجنوبية في "مواجهة الإرهاب وقطع إمدادات الحوثي"، مع التأكيد على "الالتزام بالشراكة مع التحالف العربي"، مجددًا التمسك بالتفويض الشعبي الجنوبي ودعم المؤسسات والقيادات الجنوبية.
قضية سياسية وليست أمنية
وفي السياق ذاته، قال الإعلامي الجنوبي مناف الكلدي، رئيس تحرير موقع "الجنوب أونلاين"، لـ"النهار" إن "القضية الجنوبية قضية سياسية عادلة لا يمكن التعامل معها أمنياً فقط".
وأضاف: "المجلس الانتقالي يقدِّر دور المملكة العربية السعودية، لكن التحركات في حضرموت لم تكن مغامرة عسكرية، بل جاءت بعد فشل قوات المنطقة الأولى في منع التهريب أو مكافحة التنظيمات المتطرفة، وهو ما جعل الأمن الجنوبي والإقليمي في خطر".
وأكد الكلدي أن المجلس الانتقالي "قدم تنازلات حقيقية لإنجاح الشراكة، لكنه لا يستطيع التخلي عن مسؤولياته تجاه الجنوب وقضيته"، مع الترحيب بالحوار "شريطة أن تُدار القضية الجنوبية كملف سياسي واضح يحترم إرادة شعب الجنوب".
وأوضح الكلدي أن تحركات الانتقالي في حضرموت جاءت – بحسب رؤيته – "بعد استنفاد كل الخيارات مع قوات المنطقة الأولى، وبعد أن تحول وادي حضرموت إلى منصة لتهريب السلاح للحوثيين وبؤرة للجماعات الإرهابية"، معتبراً بقاء تلك القوات "مخالفاً لاتفاق الرياض ومطلب أبناء المحافظة".
رسالة حاسمة وحافة مواجهة
في المقابل، يرى المحلل السياسي اليمني عبدالرقيب الهدياني أن الضربات الجوية تمثل "رسالة شديدة الوضوح" للمجلس الانتقالي بأن "الرهان على فرض واقع عسكري جديد في الشرق خارج مؤسسات الدولة لن يمر".
وأضاف في حديث لـ "النهار" : "بيان الخارجية السعودية كان نداءً سياسياً عالي السقف، وما يجري الآن يعني أن الأزمة تجاوزت مرحلة التحذير إلى مرحلة الفعل، هذا أخطر تصعيد داخل معسكر يفترض أنه موحد ضد الحوثي، وقد يقود إلى كسر خطير داخل الشرعية".
ويرى الهدياني أن وجود الانتقالي في حضرموت "يصطدم بمعادلة محلية وإقليمية غير مواتية"، مشيراً إلى أن "استمرار التصعيد سيزيد المشهد تعقيداً وربما يدفع نحو مواجهة غير محسوبة".
وأشار إلى أن المجلس الانتقالي "يبدو في حالة عزلة سياسية"، لافتاً إلى عدم تسجيل أي لقاءات له مع مسؤولين دبلوماسيين دوليين أو إقليميين منذ اندلاع الأحداث، على حد قوله.
نبض