من السقوط إلى الانتقال المفتوح: صورة سوريا في نهاية 2025

العالم العربي 26-12-2025 | 05:40

من السقوط إلى الانتقال المفتوح: صورة سوريا في نهاية 2025

مع نهاية عام 2025، لم تكن سوريا قد انتقلت من مرحلة السقوط إلى مرحلة الاستقرار، بقدر ما كانت قد استقرّت على صورة انتقال طويل
من السقوط إلى الانتقال المفتوح: صورة سوريا في نهاية 2025
أحد شوارع دمشق بعد سقوط نظام الأسد. (وكالات)
Smaller Bigger

مع نهاية عام 2025، لم تكن سوريا قد انتقلت من مرحلة السقوط إلى مرحلة الاستقرار، بقدر ما كانت قد استقرّت على صورة انتقال طويل، متعدد المسار، تتجاور فيه محاولات إعادة بناء السلطة مع وقائع تفكك داخلي، وانفتاح خارجي مشروط، وبيئة أمنية لم تُحسم بعد. ما ثبّته العام المنصرم لم يكن شكل الدولة المقبلة، بل حدود الممكن في إعادة إنتاجها.

داخلياً، برزت خلال العام ملامح سلطة جديدة توسّعت تدريجاً في إدارة شؤون الحكم، عبر تشكيل حكومة بعد مرحلة تصريف الأعمال، ومحاولات إعادة تنظيم المؤسستين العسكرية والأمنية، وإدارة الملفات الاقتصادية والعلاقات الخارجية. غير أن هذا التوسع العملي في وظائف الحكم جرى من دون حسم واضح لطبيعة المرحلة السياسية نفسها، إذ تداخل في الممارسة منطق المرحلة الانتقالية مع سلوكيات حكم يتصرف كأنه مستقر، من دون أن يُحسم توصيفه أو يُستكمل بناؤه المؤسسي. هذا الوضع انعكس في بطء استكمال البنى التمثيلية، وفي إدارة الاستحقاقات السياسية باعتبارها مسارات مفتوحة أكثر من كونها خطوات مؤطرة زمنياً.

على الأرض، عكست نهاية العام صورة بلد لم يعد يتحرك كوحدة سياسية واحدة. في شرق الفرات، اختُتم العام من دون تنفيذ الاتفاقات المعلنة ضمن المهل المحددة، ما رسّخ واقعاً معلّقاً يقوم على تفاهمات جزئية، ومفاوضات داخلية وخارجية متداخلة، واحتكاكات ميدانية متقطعة، بالتوازي مع حضور إقليمي ودولي مباشر في إدارة الملف. هذا الواقع لم يؤدِ إلى حسم، بل كرّس وضعاً تفاوضياً طويل الأمد يضغط على فكرة الدولة الموحدة لصالح ترتيبات أمر واقع.

 

عنصر تابع للأمن العام السوري في السويداء. (أ ف ب)
عنصر تابع للأمن العام السوري في السويداء. (أ ف ب)

 

في السويداء، اتخذ المسار منحى أكثر حدّة، إذ تجاوزت الأزمة حدود الاحتجاج والتوتر المحلي لتصل إلى خطاب انفصالي صريح تحت مسمى "جبل باشتان"، مع استمرار اشتباكات متقطعة، وامتدادات إقليمية واضحة بعد تفاهمات ومسارات أجريت خارج الإطار السوري. هنا، لم تكن الأزمة في حجم العنف فحسب، بل في انتقال الجغرافيا من موقع احتجاجي إلى مشروع سياسي بديل من الدولة المركزية.

أما في الساحل، فجاءت مجزرة كبرى لتكشف هشاشة العلاقة بين الدولة والمجتمع، ثم تلتها أشكال حراك اجتماعي منظّم تمثلت في اعتصامات وإضراب ومطالب خرجت من الإطار الأمني إلى فضاء سياسي أوسع، يتعلق بالتمثيل والمساءلة والضمانات. وبذلك تحوّل الساحل، هو الآخر، إلى مساحة تعبير سياسي خاصة، وإن من دون رفع مطالب انفصالية صريحة، ما أضاف بعداً جديداً إلى مشهد التعدد داخل الدولة.

أمنياً، لم يُغلق العام ملف الحرب. فعودة نشاط تنظيم "داعش" في مناطق متفرقة، بالتوازي مع استمرار الغارات الأميركية، أعادت تثبيت واقع تُدار فيه مسألة الأمن جزئياً من خارج المؤسسات الوطنية، وبمنطق الضبط والاحتواء لا الحسم. هذا الواقع بات جزءاً من المشهد المستقر مع نهاية العام، وأعاد التأكيد على أن السيادة الأمنية لا تزال منقوصة، وأن احتكار القوة لم يتحول بعد إلى قدرة داخلية مكتفية.

 

صور لمفقودين ومخطوفين ومخفيين قسراً في أحد شوارع دمشق. (أ ف ب)
صور لمفقودين ومخطوفين ومخفيين قسراً في أحد شوارع دمشق. (أ ف ب)

 

إقليمياً، استقرّت صورة سوريا عند نهاية 2025 بوصفها ساحة أمنية مفتوحة أكثر منها طرفاً متكافئاً في ترتيبات المنطقة. فمشروع الاتفاق الأمني مع إسرائيل، الذي أُعلن عنه أكثر من مرة خلال العام، انتهى إلى التعطيل من دون توقيع، وسط تباينات جوهرية حول شروطه وحدوده. وفي الوقت نفسه، فرضت وقائع ميدانية نفسها عبر توغلات إسرائيلية مباشرة، واحتلال قمة جبل الشيخ، وحملة جوية واسعة في الأيام الأولى التي تلت سقوط النظام استهدفت القدرات العسكرية الثقيلة. هذه الوقائع مجتمعة أعادت رسم موقع سوريا في المعادلة الأمنية، بحيث انحسرت القدرة العسكرية التقليدية، واتسع هامش التدخل الخارجي.

في هذا السياق، توازى الانكشاف الأمني مع انفتاح سياسي وقانوني خارجي مشروط. فقد شكّلت لقاءات الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورفع اسم الشرع عن قوائم الإرهاب، ثم رفع قانون قيصر، مساراً واحداً أعاد إدراج السلطة الجديدة في النظام السياسي الدولي بعد سنوات من العزلة. غير أن هذا الإدراج لم يُقفل على اعتراف نهائي، بقدر ما جاء ضمن معادلة اختبار وتدرّج، فتحت الباب أمام الانخراط والدعم المحتمل، من دون أن تنهي شروط الرقابة أو تنعكس سريعاً تحسناً ملموساً في الداخل.

بهذه الصورة، لم يُختتم عام 2025 كعام انتقال إلى الاستقرار، بل كعام تثبيت مرحلة انتقالية طويلة المدى، تتقدّم فيها مؤسسات الحكم عملياً، فيما تبقى أسئلة الدولة والسيادة وشكل العقد الوطني معلّقة. وهو انتقال لم يحسم اتجاه سوريا المقبلة، بقدر ما رسم حدودها الموقتة.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/24/2025 10:00:00 AM
أراد يسوع بيت لحم بدون حواجز ولا قيود. أرادها مدينة تصدّر السلام من هذه البقعة الجغرافية إلى كل العالم.
المشرق-العربي 12/24/2025 12:33:00 PM
القوة مؤلفة من سيارتين إحداهما من نوع هايلكس والأخرى هامر عسكرية
المشرق-العربي 12/25/2025 12:34:00 PM
الداخلية السورية: العملية تأتي تأكيداً على فاعلية التنسيق المشترك بين الجهات الأمنية الوطنية والشركاء الدوليين
المشرق-العربي 12/25/2025 1:41:00 PM
العلاقات السورية - الإسرائيلية معقدة، ولم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاقية أمنية رغم المساعي الديبلوماسية.