الضفة في 2025: هجمة استيطانية بمستويات غير مسبوقة
نشر حزب "الصهيونية الدينية"، برئاسة وزير المالية والمشارك في وزارة الأمن (الحاكم الفعلي للضفة) بتسلئيل سموتريتش، قائمة بـ69 مستوطنة في الضفة الغربية، منها الجديد ومنها ما تمت "تسوية أوضاعها"، خلال ثلاث سنوات من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، آخرها كانت المصادقة على 19 مستوطنة في الضفة، ضمنها مستوطنتا جانيم وكاديم على مشارف مدينة جنين.
أخذت السياسة الاستعمارية بعداً أمنياً بحتاً بلغ ذروته عند تشكيل حكومة اليمين المتطرّف في مطلع 2023، وكان في مقدمة الاتفاقات الائتلافية بين الأحزاب التي شكلت الحكومة مسألة إعادة الاستيطان إلى شمال الضفة الغربية، وما ترتب عن قانون فك الارتباط الصادر في 2005.
لا يمكن التغاضي عن أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس لا تتمتع بشرعية قانونية، علماً بأن المخططات الإسرائيلية في مجملها تسعى إلى تآكل الوجود الفلسطيني على الأرض لصالح تغيير الجغرافيا، وإعادة تشكيل الديموغرافيا. فالهدف الرئيسي اليوم من الأوامر العسكرية التي تُصدرها الإدارة المدنية في الضفة الغربية هو إعادة رسم الحدود وتغيير المعالم بما يخدم المستوطنات وتطويرها، والمستوطنين وتثبيت وجودهم، على حساب الفلسطينين أصحاب الأرض بخلق "أمر واقع" جديد.

بدورها، نشرت المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتّحدة، تقارير على مدار العام الحالي حذرت فيها من "تكثيف الحكومة الإسرائيلية وتصعيدها عمليات الاستيطان، وأعمال الضم التي تنفّذها، والتشريعات والتدابير التمييزية التي تنتهك القانون الدولي، وحق الفلسطينيين في تقرير المصير". وأكدت أن النقل المستمرّ لصلاحيات الحكومة الإسرائيلية من الجيش إلى الحكومة يسهّل توسّع المستوطنات في الضفة الغربية، والإدماج المطّرد في دولة إسرائيل، فالخطط الرامية إلى تكثيف توفير الخدمات الحكومية في المستوطنات "تزيد من إضفاء الطابع المؤسسي على أنماط التمييز المنهجي الطويل الأمد، والعزل العنصري والقمع والسيطرة والعنف وغيرها من الأعمال غير الإنسانية بحقّ الفلسطينيين، التي ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب".
يقول أمير داوود، المدير العام للتوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لـ"النهار" إن هذا العام شهد أكبر عدد من قرارات إقامة المستوطنات، "لكن اتخاذ حكومة الاحتلال هذه القرارات لا يعني تطبيقها فوراً على الأرض، فاعتبار المواقع الاستيطانية مستوطنات كاملة تحظى بكافة الامتيازات بحاجة إلى مجموعة من الخطوات الإدارية البيروقراطية، حتى تصل إلى مستوى يمكننا أن نقول إنها أصبحت مستوطنات، لكن على صعيد القرارات نتحدث عن عام غير مسبوق، فيه أرقام قياسية، ميّزته ثلاثة عنوين أو ثلاثة قرارات رئيسية، في شباط/فبراير الماضي، فُصل 13 حيّاً استيطانياً واعتُبرت مستوطنات، ثم صدر قرار في أيار/مايو الماضي بإقامة 22 مستوطنة، وفي كانون الأول/ديسمبر الجاري أُعلن عن إقامة 19 مستوطنة جديدة، وهذه قرارات صادق عليها المجلس الأمني السياسي المصغر ’الكابينيت‘، لكنها لم تتحوّل إلى مستوطنات فعلياً".
ويوضح داوود أن حكومة الاحتلال ستحوّل هذه القرارات إلى أمر واقع في اللحظة التي تراها ملائمة، "أما بالنسبة إلى تزايد أعداد المستوطنين، فلا زيادة لافتة بناءً على النتائج والإحصاءات التي يقوم بها جهاز الإحصاء الإسرائيلي، بل على العكس، يقول الكثير من المراكز البحثية إن تعداد المستوطنين في الضفة، خصوصاً في بعض التجمعات الكبيرة، شهد زيادة سكانية سلبية وهذا يعني أنها تراجعت بنسب معينة".

بحسبه، تقسم القرارات الصادرة عن "الكابينيت" إلى ثلاثة أقسام: "القسم الأول، تحويل البؤر الاستيطانية غير القانونية وفق التصنيف الإسرائيلي إلى مستوطنات، أي أن تحظى بكافة الامتيازات والبنى التحتية والمخصصات المالية؛ والقسم الثاني، إنشاء مستوطنات من الصفر حيث لم يكن في الموقع أي بناء استيطاني من قبل، ثم أعلنت حكومة الاحتلال أنها ستقيم مستوطنات في هذه الأماكن، مثل المستوطنات الواقعة إلى الجنوب من مدينة القدس وإلى الشمال من محافظة بيت لحم".
أما القسم الثالث فهو المستوطنة المخلاة منذ 2005، مثل مستوطنات غانيم وكاديم وصانور وحومش شمال الضفة الغربية، "والآن بعد تعديل قانون فك الارتباط في الكنيست في 2023، قررت الحكومة أن تعيد البناء في هذه المستوطنات المخلاة، بالتالي هناك ثلاثة تصنيفات جرى العمل عليها خلال الفترة الماضية".
ويخلص داوود إلى "أننا اليوم أمام دعاية شرسة وقوية من قبل الحكومة وقادة المستوطنين، هناك انقضاض غير مسبوق على الجغرافيا الفلسطينية وهذا صحيح، هناك ملء للفضاء العام بأخبار الاستيطان، فدولة الاحتلال تريد إرسال مجموعة من الرسائل من خلال إعلانات متتالية بأن الجغرافيا الفلسطينية انتهت، وتم القضاء عليها، بالتالي تم إعدام احتمال قيام دولة فلسطينية"، مضيفاً: "نحن الفلسطينيين لدينا رأي آخر وموقف آخر. كل هذه الإجراءات مراكمة نضالية بالنسبة إلينا. إننا نواجه ونقاوم إلى أن يزول الاحتلال، بالتالي لا يمكن أن يتحول الاحتلال إلى أمر واقع حتى لو فرض كل الوقائع على الأرض".
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي البطش والبلطجة، بينما يطوّر الفلسطيني أدواته سواء الشعبية أو القانونية أو الديبلوماسية. واليوم، ثمة رفض عالمي لكل الإجراءات التي يقوم بها. بالتالي، نتكئ على ثلاث قضايا أساسية: أولاها الرفض الجماهيري، وثانيتها رفض العالم، وثالثتها أننا في هذا الصراع لا يمكن أن نسلم بما يفعله الاحتلال على الأرض، وأن نعتبره أمراً حتمياً ونهائياً.
نبض