ماذا يمكن أن يُبقي ما تبقّى من مسيحيّي فلسطين في أرض المسيح؟‎

العالم العربي 19-12-2025 | 06:20

ماذا يمكن أن يُبقي ما تبقّى من مسيحيّي فلسطين في أرض المسيح؟‎

قبل نكبة 1948 شكّل المسيحيون الفلسطينيون ما نسبته 12.5% من سكان فلسطين التاريخية، ولم يبقَ منهم سوى 1.2%، وباتوا اليوم أقل من 1% فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ماذا يمكن أن يُبقي ما تبقّى من مسيحيّي فلسطين في أرض المسيح؟‎
بيت لحم (أ ف ب).
Smaller Bigger

يُعدّ الوجود المسيحي في فلسطين من أقدم وأهم وأعمق النتائج الحضارية الدينية، إذ يمتدّ إلى القرون الأولى للمسيحية، ويرتبط بالمكانة الروحية العالمية للقدس وبيت لحم والناصرة التي شكّلت محوراً أساسياً في تكوين الهويّة الدينية للإنسانية جمعاء. ورغم أن المسيحيين الفلسطينيين كانوا عبر التاريخ مكوّناً رئيسياً في النضال الوطني، وركيزة اجتماعية أساسية فقد تعرّضوا لسياسة ممنهجة من التهميش والتهجير وطمس الهويّة، ومحاصرة الوجود الديموغرافي، في إطار مشروع استيطاني يسعى لإعادة تشكيل فلسطين ديموغرافياً وثقافياً وسياسياً.

قبل نكبة 1948 شكّل المسيحيون الفلسطينيون ما نسبته 12.5% من سكان فلسطين التاريخية، ولم يبقَ منهم سوى 1.2%، وباتوا اليوم أقل من 1% فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يأتي هذا التراجع كنتيجة مباشرة لما تنتهجه سلطات الاحتلال، من قمع للحريات عموماً والحرية الدينية خصوصاً، فخلال النكبة هُجّر 90,000 مسيحي فلسطيني، وأُجبرت 30 كنيسة على الإغلاق، وقتلت عصابات"الهاغاناه" الإرهابية 25 مسيحياً فلسطينياً في فندق سميراميس في القدس، وأعدمت القوات الإسرائيلية 12 مسيحياً في قرية عيلبون قرب الناصرة.

وتعرّضت قريتا إقرث وكفر برعم الفلسطينيتان المسيحيتان في الجليل الأعلى لتهجير وتدمير مقصودين. كان يسكن إقرث نحو 570 نسمة، وكفر برعم نحو 1050 نسمة، وعند احتلالهما طُلب من الأهالي مغادرتهما "موقتاً"بحجة تنفيذ عمليات عسكرية، لكنهم مُنعوا من العودة رغم القرارات القضائية إسرائيلية التي حكمت بوجوب عودتهم.
 

 وليلة عيد الميلاد عام 1953 فجّرت القوات الإسرائيلية بيوت القريتين بالكامل لإحباط أي محاولة للعودة، فيما بقيت الكنائس والمقابر شاهدة على التهجير القسري.

وخلال حرب الإبادة في غزة، قصفت إسرائيل كنيستي القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس والعائلة المقدسة للكاثوليك، إضافة إلى قصف المؤسسات التابعة للكنائس مثل المستشفى المعمداني، والمركز الثقافي والاجتماعي الأرثوذكسي العربي، كذلك قُصفت بيوت المسيحيين ودُمّرت ممتلكاتهم، فنزحوا إلى الكنائس للاحتماء بها، فاستُشهد 44 مسيحياً فلسطينياً مباشرةً نتيجة القصف، فضلاً عن آخرين قتلوا نتيجة انعدام الغذاء والدواء.

كذلك تتعرّض مدينة بيت لحم مهد المسيح لهجمة استيطانية شرسة، وتنتشر الحواجز العسكرية وجدار الفصل العنصري في كافة الجهات مغلقة المداخل والمخارج، وتُصادر أراضي تعود ملكيتها للمسيحيين الفلسطينيين لتوسيع المستوطنات، فالمدينة محاصرة بأكثر من 150 حاجزاً وبوابة وساتر ترابي وإسمنتي هو الأعلى في الضفة الغربية، وتقلصت مساحتها من 37 كيلومتراً مربعاً إلى 7.3 كيلومترات مربعة.

وتتعرّض الكنائس في القدس لهجمة غير مسبوقة تهدّد وجودها التاريخي واستمرار رسالتها، من تجميد حسابات البطريركية الأرثوذكسية، وفرض ضرائب باهظة على ممتلكات جميع الكنائس، مخالفة سياسة الوضع الراهن "الستاتيكو"، ولا تقتصر الهجمة على ذلك بل امتدت إلى الحجز على ممتلكات الكنيسة الأرمنية.


ويتعرض رجال الدين والرهبان والراهبات لمضايقات واعتداءات جسدية من حين إلى آخر، وتُدنَّس الكنائس والمقابر والرموز المسيحية على أيدي المستوطنين والمتشددين الذين يمارسون الإرهاب بوتيرة مكثفة.

ولا تقل قسوة القيود على حركة الفلسطينيين ونظام التصاريح للزيارة، ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية خاصة زيارة القدس، والكنائس المهمة في الجليل والناصرة.

وتبقى حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها: واقع حياة الفلسطينيين – مسيحيين ومسلمين – تحت الاحتلال الإسرائيلي مرير، واستنزف قدراتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.

لماذا يهاجر المسيحيون أكثر؟

استعاد القس الدكتور متري الراهب رئيس جامعة دار الكلمة الظروف التي دفعت مسيحيي فلسطين إلى الهجرة، قائلاً إن "القرن الماضي كان صعباً على الوجود المسيحي لكن الحاضر أصعب".


كانت النكبة الضربة الأكبر حيث تراجعت نسبة المسيحيين إلى 2.8 بالمئة خلال أشهر، واستمر نزف الهجرة حتى ما بعد عام 1967. ويقول الراهب: "مع حرب الإبادة على غزة بتنا نعرف أن الوجود المسيحي في غزة سينقرض بحلول عام 2030، وإذا استمرت الأحوال على ما هي عليه في الضفة الغربية فسينتهي وجودهم بحلول 2050".


لا شك في أن المسلمين يهاجرون بأعداد أكبر، لكن المسيحيين هم أقل أصلاً ، وغالبيتهم سكان مدن، وبالتالي أسرع في الحركة والهجرة من سكان القرى، وأغلبهم من الطبقة الوسطى الأكثر قابلية للهجرة، ولديهم قوة جذب في الخارج من العائلات والأقارب والأصدقاء الذين سبقوهم.


ويذكر الراهب أن نسبة البطالة في بيت لحم وصلت إلى 36 بالمئة، ويعاني السكان منذ عامين من أزمة اقتصادية غير مسبوقة لأن 70 بالمئة من اقتصاد المدينة يعتمد على السياحة.


وخلص إلى أن الفلسطيني لم يعد يرى بارقة أمل، والحركة داخل الضفة صعبة للغاية، مع إغلاق المدن والحواجز، مضيفاً أن الفلسطيني لم يعد قادراً على تحمل المزيد من الذل، ما جعل أكثر من 200 عائلة تغادر، وكل الحلول لم تعد تنفع لإبقاء المسيحيين، ذلك أن البقاء تحوّل مشروع شهادة لهدف واحد هو الانتماء للأرض بغضّ النظر عن القوة الدافعة، في ظل غياب أي أفق سياسي لإنهاء الاحتلال.

 

بدوره، قال راعي كنيسة اللاتين في الطيبة الأب بشار فواضلة إنه منذ عامين غادرت أكثر من 13 عائلة مسيحية فلسطينية القرية إلى إسبانيا والولايات المتحدة.

 

وتعاني الطيبة على جميع المستويات من جراء اعتداءات المستوطنين وهجماتهم التي تسببت بحرق مركبات ومنشآت وشجر الزيتون.


وهاجرت العائلة الأخيرة الأربعاء الماضي، ويبدو أن العديد من الشبّان سيلحقون بها.


ويقول فواضلة إنّ ما يدفع المسيحيين إلى الهجرة هو غياب الأمن وعدم وجود فرص عمل، بسبب الضائقة المالية والإغلاقات المستمرة. وأكد أن الحقوق غائبة للجميع، مسيحيين ومسلمين، الذين يتعرّضون لمضايقات في القدس والضفة الغربية.


ويرى فواضلة أن الكنيسة تحاول توفير فرص عمل مؤقتة وثابتة للشباب والعائلات عن طريق المدرسة والمؤسسات، لتفادي الهجرة وخسارة الوجود المسيحي الفاعل منذ آلاف السنين.

 

وختم: "عندما يريد شخص أن يهاجر لا تستطيع أن تمنعه وأنا شخصياً أقول لهم هاجر لكن لا تهجر، ابق محافظاً على هويتك على ثقافتك، ولغتك، وعلمها لأبنائك وحافظ على ممتلكاتك هنا ولا تتخلَّ عنها مقابل حفنة من المال".


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

أوروبا 12/18/2025 2:58:00 PM
الطبيب أدين بتسميم 30 مريضاً خلال عمليات جراحية وتوفي 12 منهم!
سياسة 12/18/2025 3:34:00 PM
إعلام عبري: روي أمهز تفاصيل عن "إحدى أكثر مبادرات حزب الله سرية وتمويلاً، وهو مشروع استراتيجي وإبداعي وطموح أُطلق عليه اسم "الملف البحري السري"
مجتمع 12/18/2025 1:31:00 PM
كيف سيكون طقس اليومَين المقبلَين؟
مجتمع 12/18/2025 2:51:00 PM
لا تزال الحادثة قيد المتابعة من قِبل الأجهزة الأمنية المختصة