هيئة الإفتاء الجنوبيّة تفجّر خلافاً جديداً داخل الشّرعية اليمنيّة
فجَّر قرار أصدره رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس قاسم الزبيدي، بتشكيل لجنة تحضيرية لما سُمّي "هيئة الإفتاء الجنوبية"، خلافاً علنياً مع رئاسة الجمهورية اليمنية، في تطور يُضاف إلى سلسلة التوترات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد منذ أسابيع، لا سيما عقب سيطرة قوات تابعة للمجلس الانتقالي على وادي وصحراء حضرموت.
تفاصيل القرار
القرار الذي حمل الرقم 32 لعام 2025، نصّ على تشكيل لجنة تحضيرية عليا تضم نواب وزارات الأوقاف والإرشاد، والعدل، والشؤون القانونية، إلى جانب لجنة تنفيذية تضم شخصيات أكاديمية وقضائية ودعوية وإدارية.
وحدّد القرار مهام اللجنة وأهدافها، من دون أن يوضح صراحةً الإطار المؤسسي النهائي للهيئة المزمع إنشاؤها أو طبيعة تبعيتها الإدارية مستقبلاً.
اعتراض رئاسي وتحذير
وسارعت رئاسة الجمهورية إلى الاعتراض على الخطوة، محذّرة في بيان رسمي صدر عبر وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) من أن القرار يمثّل "إجراءً أحادياً" يتنافى مع أحكام الدستور والقانون والمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمها إعلان نقل السلطة.
واعتبر بيان الرئاسة أن ربط الفتوى بوزارة الأوقاف والإرشاد يُعد مخالفة دستورية، كون صلاحيات الوزارة تنفيذية وإرشادية، ولا تمتد إلى إنشاء مرجعيات إفتائية ذات طابع سيادي.
وأكد مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية أن القرار "يمس وحدة المرجعية الدينية ويؤدي إلى تشطيرها"، محذّراً من مخاطر استغلال الفتوى لأغراض سياسية أو حزبية، ومن تحوّل الخطوة إلى سابقة خطيرة تمس النظام الدستوري والمؤسسي للدولة، وتفتح الباب أمام صراع ديني لا يخدم السلم المجتمعي.

قراءتان متباينتان
في المقابل، يرى موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن، أن الخطوة تأتي في إطار تنظيم الشأن الديني في المحافظات الجنوبية، وبما يؤسس لمؤسسة دينية مستقلة في الجنوب، بعيداً عن وزارة الأوقاف والإرشاد التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.
ويقول أيمن اليافعي، وهو صحافي جنوبي، في حديث لـ"النهار"، إن هذا القرار "يأتي ضمن مسار تهيئة جنوب اليمن للاستقلال، وبناء مؤسسات جنوبية بعيدة عن مؤسسات دولة الوحدة، بحيث يكون للجنوب كيانه المؤسسي الخاص والمستقل، الخالي من أي تأثير شمالي".
انتقادات دينية لطبيعة التشكيلة
في المقابل، يعبّر رجال دين معارضون للقرار عن مخاوفهم من طبيعة التشكيلة، معتبرين أنها مالت كثيراً إلى تيار ديني واحد، وبخاصة التيار السلفي، مقابل غياب تمثيل حقيقي لبقية المدارس والتيارات الدينية التي تُعد مكوّناً أصيلاً في المجتمع الجنوبي، وفي مقدمها التيار الصوفي وغيره من الاتجاهات الدينية والفكرية المعتدلة.
ويقول أحد رجال الدين الجنوبيين، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"النهار"، إن "إدارة الشأن الديني في مجتمع متنوع كجنوب اليمن تتطلب مقاربة جامعة لا إقصائية"، داعياً إلى الاستفادة من تجارب إقليمية حديثة "مثل تجربة الرئيس السوري أحمد الشرع الذي اختار مفتياً ذا خلفية أشعرية، برغم أن ميوله الفكرية والسياسية تنتمي إلى تيارات أخرى، في رسالة هدفت إلى طمأنة المجتمع والحفاظ على وحدة المرجعية الدينية".
امتداد لتوترات حضرموت
ويأتي هذا الخلاف في سياق سياسي وأمني شديد الحساسية، أعقب سيطرة قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي على وادي وصحراء حضرموت، وما رافق ذلك من تعطّل موقت لبعض مؤسسات الدولة، ومغادرة عدد من الوزراء العاصمة الموقتة عدن.
ويرى مراقبون أن قرار تشكيل هيئة إفتاء جنوبية لا يمكن فصله عن مسار أوسع من الإجراءات التي يتخذها المجلس الانتقالي لتعزيز حضوره المؤسسي في مناطق نفوذه، في مقابل تشديد رئاسة الجمهورية على التمسك بمرجعيات المرحلة الانتقالية، ورفض أي خطوات أحادية تمس الصلاحيات الحصرية للدولة أو تعيد تعريف مفهومي السيادة والمرجعية.
نبض