حين تصبح رياضة المشي على المسارات الطبيعية طريقاً الى التنمية... قصّة ولادة "شبكة دروب البحر المتوسط"
لطالما وُصفت بلدان البحر الأبيض المتوسط بأنها قلب العالم الأزرق، رمزاً للجمال والتنوع والتاريخ. من هذا الوحي، انطلقت فكرة واسعة تستلهم طبيعة هذه المنطقة من العالم ورموزها وحضاراتها: ماذا لو وُجد مركز يربط المجتمعات على مسارات المشي حول المتوسط، يُعزز السياحة الريفية، يدعم القرى، يخلق فرصاً اقتصادية محلية، يساهم في حماية البيئة ويساعد على مواجهة التحديات المشتركة كالتغير المناخي؟
هكذا وُلدت "شبكة دروب البحر المتوسط" (MTN – Mediterranean Trails Network) في أيلول 2023 من خلال مشروع تمويله الأساسي من الوكالة الفرنسية للتنمية AFD بالإضافة الى البنك الدولي واوكسفام... والتقت فيه خمس جمعيات تدير مسارات للمشي في الطبيعية او تُعنى بالسياحة البيئية في أربعة بلدان وهي: "مسار فلسطين التراثي"، "جمعية درب الأردن"، "جمعية درب الجبل اللبناني"، "تتراكتيس TETRAKTYS" و"افرات AFRAT". وفي أيلول 2025 سُجّلت الشبكة رسمياً في فرنسا ككيان قانوني مستقلّ وتمّ إنشاء مجلس إدارة يمثل المؤسسين الخمسة من لبنان، فرنسا، فلسطين والأردن.
ومع ترسّخ هذه البنية التأسيسية، تقدمت جمعيات جديدة من لبنان وفلسطين إضافة الى تركيا واليونان وتونس، بطلبات انضمام الى الشبكة، في مؤشر واضح على اهمية الفكرة لبلدان محيط البحر المتوسط.
منذ انشائها، بدأت "شبكة دروب البحر المتوسط" بالتعاون مع أكاديميين وخبراء مختصّين بتنفيذ دراسات علمية وميدانية عديدة، منها دراسة تأثير تغيّر المناخ على مسارات الطبيعة ومجتمعاتها، دراسة حول المقوّمات والنماذج المختلفة في إدارة شبكات المسارات في العالم، استبيان حول توقعات هواة المشي على المسارات الطبيعية الدوليين والمحليين، تحليل سياحي وبيئي وتراثي لواقع مسارات المشي وأثرها، دراسة حول مصادر الدخل من خلال النشاطات على طول المسارات، أطلس عن الإرث الطبيعي المشترك حول البحر المتوسط....
تقوم رؤية الشبكة، من خلال دروب المشي الطويلة في بلدان المتوسط، على خلق رابطٍ بين مجتمعات المتوسط يعكس قيم الاستدامة والمسؤولية البيئية، يعزّز التعاون في ما بينها ويشركها في الحلول، كما يسعى الى تمكين المجتمعات الريفية والمهمَّشة عبر فرص اقتصادية واجتماعية تحافظ على التراث وتدعم ارتباط الناس بأرضهم والمحافظة عليها من خلال توفير مصادر للدخل.
من هذه الرؤية تنبثق مجموعة واسعة من الفوائد التي تطاول الإنسان والطبيعة على حدّ سواء:
اقتصادياً، تساهم الشبكة في دعم المجتمعات الريفية المحلية عبر تفعيل السياحة الريفية المستدامة وتنميتها.
بيئياً، تعمل على الحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من آثار تغيّر المناخ والتأقلم معه.
ثقافياً، تخلق مساحة للتبادل بين السكان والزوار، بحيث تصبح تجربة المشي لقاءً مع التراث والطعام والحِرف والضيافة المحلية، وفعل تواصل وسلام بين المجتمعات.
سياحياً، تسعى الشبكة إلى بناء وجهة جديدة وترويجها لعشّاق المشي الطويل ومحبّي السياحة الريفية، تربط دول المتوسط كأنها رحلة واحدة تُبرز التنوّع الغني في الثقافات والمناخ والطبيعة والتاريخ، وتؤكد في الوقت نفسه على وحدة المصير البيئي والإنساني.
ورغم هذا الزخم، تواجه الشبكة، كأيّ مشروعٍ استراتيجي كبير، تحديات عدّة، أبرزها إمكان الوصول إلى الاكتفاء المالي الذاتي، والتنسيق بين الأعضاء من مجتمعات ودول عديدة، لكلّ منها ظروفها وسياقها الخاص. ومع ذلك، يمضي الفريق بإصرار في تحقيق رسالته المشتركة، فقد نظّم لقاءات سنوية في لبنان، فرنسا واليونان، وشارك في مؤتمرات في كبادوكيا – تركيا والاتحاد الأوروبي للمسارات وغيرها، كما أطلقت الشبكة موقعها الإلكتروني (https://medtrailsnetwork.com) الذي يعرض أنشطتها ورؤيتها، ويوفّر مساحة للمانحين الدوليين والجمعيات التي تدير مسارات الدروب وروّاد المشي في الطبيعة والجامعات والمشغلين السياحيين والباحثين، للانضمام والمساهمة وفق معايير واضحة تضمن الالتزام بالقيم البيئية والثقافية.
كذلك اعلنت "شبكة الدروب العالمية – World Trails Network" خلال مؤتمر ان MTN هي ممثّلها المركزي في منطقة المتوسط.
تمضي "شبكة دروب البحر المتوسط – MTN" في رسم طريقها بثبات، لتتحوّل في ذاتها إلى دربٍ تربط بين مسارات البحر المتوسط، بين الجبال والبحر، وبين الإنسان والطبيعة، وحيث كل خطوة على هذه الدرب هي خطوة نحو مستقبل أكثر خضرة وتعاوناً بين شعوب هذا البحر العريق.
نبض