من الانضمام السياسي إلى العمليات المشتركة: بيان سنتكوم يعيد رسم خريطة مطاردة "داعش"

العالم العربي 02-12-2025 | 09:59

من الانضمام السياسي إلى العمليات المشتركة: بيان سنتكوم يعيد رسم خريطة مطاردة "داعش"

أثار انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في الشهر الماضي جدلاً واسعاً حول طبيعة هذا الانضمام: هل يقتصر على اصطفاف سياسي، أم يتضمن تعاوناً عملياتياً فعلياً؟
من الانضمام السياسي إلى العمليات المشتركة: بيان سنتكوم يعيد رسم خريطة مطاردة "داعش"
أرشيفية لجندي من التحالف الدولي ضد «داعش» (أ.ف.ب)
Smaller Bigger

تزامن حديث القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) عن عملية مشتركة مع وزارة الداخلية السورية ضد تنظيم "داعش"، مع رصد نشاط متجدد، وإن كان محدوداً، لخلايا التنظيم في عدد من المناطق السورية. يعكس البيان الأميركي تطوراً في شكل التعاون بين دمشق والتحالف الدولي، في حين تشير المعطيات الميدانية إلى أن التنظيم لا يزال قادراً على تنفيذ عمليات متفرقة، وترك رسائل تهديدية في أكثر من محافظة، من دون أن يظهر أنه تخطّى مستوى التهديد الذي مثّله في السنوات الماضية.

أثار انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" في الشهر الماضي جدلاً واسعاً بشأن طبيعة هذا الانضمام: هل يقتصر على اصطفاف سياسي، أم يتضمن تعاوناً عملياتياً فعلياً؟ وصف وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى الانضمام بأنه "سياسي"، بينما كانت المفارقة أن وسائل إعلام مقربة من الحكومة، قبل الإعلان عن الانضمام، تتحدث عن مشاركة قوات من وزارتي الدفاع والداخلية في عمليات مشتركة مع التحالف، من دون أن يقابل ذلك أي تأكيد من جانب التحالف أو سنتكوم.

شكّل بيان القيادة المركزية، الصادر في 30 تشرين الثاني/نوفمبر،  أول خروج أميركي واضح من هذا الغموض، إذ أعلن أن قوات من سنتكوم ووزارة الداخلية السورية نفّذت، بين 24 و27 من الشهر نفسه، عمليات أدت إلى العثور على أكثر من خمسة عشر موقعاً تُخزَّن فيها أسلحة لتنظيم "داعش" في جنوب سوريا، في مناطق متعددة من محافظة ريف دمشق، وتدميرها بضربات جوية وتفجيرات ميدانية. وأشار البيان إلى تدمير ما يزيد على 130 قذيفة هاون وصاروخ، وعدد من البنادق الهجومية والرشاشات والألغام المضادة للدروع ومواد تُستخدم في صناعة العبوات الناسفة، إضافة إلى ضبط مواد مخدّرة غير مشروعة والتخلّص منها.

 

قوة للتحالف الدولي في شمال سوريا. (وكالات)
قوة للتحالف الدولي في شمال سوريا. (وكالات)

 

من الناحية العسكرية البحتة، يبدو أن هذه العملية لا تمثل تحولاً نوعياً في ميزان القوى، لكنها تكرّس واقعاً جديداً على مستويين. فمن جهة، هناك اعتراف أميركي مباشر بتعاون أمني مع وزارة الداخلية السورية بعد فترة كان يُكتفى فيها بالحديث عن "قوات محلية" بلا تسمية. 

من جهة أخرى، تنتقل بعض عمليات ملاحقة فلول التنظيم إلى جنوب ريف دمشق، بعدما ارتبطت صورة الحرب على "داعش" في السنوات الماضية بشرق البلاد ومناطق نفوذ "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد).

على الجانب الآخر، قدّم التنظيم قراءته الخاصة لما يجري في افتتاحية العدد الأخير من صحيفة "النبأ" الأسبوعية الناطقة باسمه، التي حملت عنوان "حرب بين مشروعين". توقفت الافتتاحية عند فئة تصفها بأنها "أشقى خصوم التنظيم"، وتعرّفها على أنها الجهات أو الأشخاص الذين كانوا جزءاً من مشروعه ثم انفصلوا عنه والتحقوا بمشروع آخر، وتقدّمهم بوصفهم أكثر خطورة من الخصوم التقليديين. وتتهمهم بأنهم يتمنّون انحراف "الدولة الإسلامية" عن منهجها حتى يبرّروا ابتعادهم عنها. 

من خلال هذا البناء الخطابي، يحاول التنظيم أن يفسّر التعاون المعلن بين دمشق والتحالف بوصفه جزءاً من "مشروع منافس" داخل الشام، وأن يقدّم نفسه لأنصاره على أنه لا يزال متمسكاً بمشروعه الوحيد وهو الخلافة.

في الميدان، لا تعكس الوقائع حجماً يتناسب مع لهجة الافتتاحية. خلال الأسابيع الأخيرة، رُصد نشاط محدود لخلايا التنظيم في عدد من المناطق. في وسط البلاد، وتحديداً في حمص وحماة، أعلن التنظيم تبنّيه عمليتين، استهدفت الأولى شخصاً في قرية المزرعة بريف حمص، ووصفه البيان بأنه متعاون مع "الميليشيات الرافضية"، واستهدفت الثانية مرشحاً مرتبطاً بالنظام السابق في حي التتان بمدينة حماه، ما أدى إلى مقتله وإصابة عنصر من جهاز الأمن العام.

من حيث الحجم، تندرج هذه العمليات في إطار الاغتيالات الفردية أكثر مما تندرج في إطار عمل عسكري منظم، لكنها تُظهر في الوقت نفسه قدرة بعض الخلايا على اختيار أهداف محددة في بيئة تُعد مستقرة نسبياً.

 

تعاون سوري أميركي ضد داعش. (أ ف ب)
تعاون سوري أميركي ضد داعش. (أ ف ب)

 

إلى جانب ذلك، ظهرت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر شعارات تهديدية منسوبة للتنظيم في أكثر من موقع. في حماه، كُتبت عبارات على جدران القلعة تتضمن تهديداً مباشراً للتحالف، فيما رُصدت كتابات مشابهة في قرية غدير بستان بريف القنيطرة. تحدثت مصادر محلية عن حالة قلق وزيادة في المطالبات بتكثيف الدوريات، من دون أن تواكب ذلك تحركات مسلحة مرتبطة مباشرة بهذه الكتابات، ما يضعها في إطار رسائل دعائية أكثر من كونها مقدمة لهجوم واسع.

أما في الشرق، فلا تزال مناطق ريف دير الزور الخاضعة لسيطرة "قسد" تسجّل النسبة الأعلى من نشاط التنظيم، سواء باستهداف الحواجز والصهاريج أو باستهداف بعض الشخصيات المحلية. هذا النمط من العمليات مستمر منذ سنوات، لكنه شهد تصعيداً واضحاً في الشهر الأخير، بحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

في ضوء هذه الصورة، تبدو المعادلة القائمة حتى الآن على قدر من الوضوح: من جهة، ثمة تطور تدريجي في مستوى التنسيق بين دمشق والتحالف، انتقل من إعلان سياسي عن الانضمام إلى تعاون أمني موثّق في بيان القيادة المركزية. ومن جهة ثانية، يقف تنظيم "داعش" وقد فقد ثقله الجغرافي السابق، لكنه لا يزال حاضراً في خلايا متناثرة ونشاط دعائي يحاول من خلاله إعادة تعريف الصراع بوصفه "حرب مشاريع"، لا مجرد ملاحقة أمنية.


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

الخليج العربي 12/1/2025 12:53:00 PM
السعودية وروسيا توقعان اتفاقية إعفاء متبادل من التأشيرات لحملة جميع الجوازات
المشرق-العربي 11/30/2025 12:47:00 PM
وزارة النقل العراقية تحسم الجدل: لا وجود لطائرة مركونة في صحراء الوركاء، والصورة المتداولة لطائرة عابرة رصدها القمر الصناعي للحظة واحدة فقط.
المشرق-العربي 12/1/2025 11:51:00 AM
قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، رافي ميلو، يتفقد مواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان، للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية.
كتاب النهار 12/1/2025 9:21:00 AM
زيارة البابا يفترض أن تكون مناسبة للمصالحة، وكان ممكناً تخطي البروتوكول فيها، إذ يحق لصاحب الدعوة، كما للشاعر، ما لا يحقّ لغيره.