الإخوان في السودان: تفكيك شبكات التمكين يوقف الحرب

العالم العربي 03-12-2025 | 12:22

الإخوان في السودان: تفكيك شبكات التمكين يوقف الحرب

لا بد من تفكيك شبكات التمكين الإسلامية داخل الجيش السوداني، وعزل قادته الموالين للإخوان... فهذا شرط أساسي لأي دعم دولي لعملية السلام.
الإخوان في السودان: تفكيك شبكات التمكين يوقف الحرب
الميليشيات الإسلامية لا تريد وقف الحرب في السودان. (أ ف ب)
Smaller Bigger

تُعد جماعة الإخوان المسلمين في السودان، الممثلة تاريخياً بالحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني المنحل، القوة الدافعة وراء حرب اندلعت في نيسان/أبريل 2023. فالدور الذي تؤديه هذه الجماعة يتجاوز التنافس السياسي ليكون محركاً أساسياً لإدامة العنف وعرقلة جهود السلام، محولة الصراع من خلاف على السلطة إلى حرب شبه عقائدية. وأثبتت شبكات الجماعة، المتغلغلة عميقاً في مؤسسات الدولة، أنها "عقبة مزمنة" أمام استقرار السودان ونموه الاقتصادي.  

 

من الدعوة إلى السيطرة

انتقلت أيديولوجيا الإخوان المسلمين من مصر إلى السودان في خمسينيات القرن الماضي. حينها، ما كانت الحركة الإسلامية مجرد حزب سياسي، بل مشروعاً استراتيجياً متكاملاً سعى إلى السيطرة على مفاصل الدولة السودانية. في السبعينيات، تحولت الحركة من العمل الدعوي إلى العمل السياسي، وسمح لها التحالف مع نظام الرئيس الراحل جعفر النميري في عام 1978، تحت اسم "المصالحة"، بالتوغل في أعماق المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية السودانية.  

 

كان الهدف من تغلغل الجماعة المنهجي إنشاء دولتها العميقة، فلم يكن التحالف مع النميري لغرض الحكم المشترك بقدر ما كان لزرع "الأيديولوجيين" في المناصب الحساسة في الدولة. وهذا التمكين المسبق مكّن الجبهة الإسلامية القومية من قيادة انقلاب حزيران/يونيو 1989، منهية بذلك التجربة الديموقراطية. ما كان الإخوان المسلمون قوة تدفع باتجاه اي تحول ديموقراطي، بل كانوا جزءاً من صفقة سياسية ضمنت استمرار نفوذهم، وتحضيرهم للانقلاب على الديموقراطية.  

 

 

عمر البشير والزعيم الإسلامي حسن الترابي. (أ ف ب)
عمر البشير والزعيم الإسلامي حسن الترابي. (أ ف ب)

 

 

بوصول عمر البشير إلى رأس السلطة في عام 1989، بدأت مرحلة "التمكين" الشامل، إذ تبنى النظام أيديولوجيا قائمة على حكم المكتب السياسي الإسلامي. كان الهدف الأسمى تطهير الجيش وتغليفه أيديولوجياً. قام نظام "الإنقاذ" بتصفية الضباط غير الموالين له وزرع ضباطاً "مؤدلجين إسلامياً"، ما أدى إلى خضوع قادة الجيش لشبكات البشير والإخوان، وإلى استناد تركيبة الجيش الحالية على الولاء الأيديولوجي بدلاً من الكفاءة الوطنية – القومية، وهذا يفسر خروج الجيش عن "مساره الوطني" في الحرب.

 

إجهاض الانتقال الديموقراطي

بعد ثورة عام 2019، بقيت شبكات التمكين قوية ومحصنة داخل المؤسسة العسكرية. وقاد الحرس الإسلامي القديم انقلاب عام 2021 ضد الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك. كان الهدف الأساسي من هذا الانقلاب منع الإصلاحات الهيكلية التي طالبت بها الهيئات المدنية والتي كانت ستؤدي حكماً إلى إضعاف دولة الإخوان العميقة تمهيداً لتفكيكها. وساد شعور بأن "الاصطفاف مع أميركا لم يكن مفضلاً داخل الجيش"، وبالتالي كان الانقلاب ضرورياً لمنع تفكيك الحصن العسكري.  

 

أدت سيطرة الإسلاميين المستمرة على القرار العسكري الرسمي إلى تحويل الصراع مع قوات الدعم السريع إلى حرب تُديرها أجندة أيديولوجية تسعى لإعادة التمكين الكامل. فالإسلاميون ينظرون إلى الحرب الحالية بصفتها صراعاً "وجودياً"، وهذا يبرر رفضهم أي مبادرة لا تضمن تفكيك الخصم بالكامل وعودتهم إلى السلطة، ما يعني غياب أي حيز للتفاوض أو التسوية، فإنهاء الحرب هزيمة للمشروع الإسلامي.

 

دور محوري للميليشيات الإسلامية

تشكل التعبئة العسكرية الأيديولوجية من خلال الميليشيات دليلاً قاطعاً على أن الحركة الإسلامية تُدير هذه الحرب، لوجستياً وعقائدياً. تُعد كتيبة "البراء بن مالك" ميليشيا تابعة وموالية للحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين)، وقد قدم قادتها اعترافات صريحة تفضح الدمج الوظيفي بين الجيش السوداني وهذه الميليشيات.  

 

 

 

لواء البراء الإسلامي (وكالات)
لواء البراء الإسلامي (وكالات)

 

 

فقد أكد أويس غانم، وهو قيادي في هذه الكتيبة، أنهم تلقوا "تدريباً مكثفاً" و"تسليحاً كاملاً" من القوات المسلحة في بورتسودان. وأوضح أن الكتيبة "قوات احتياطي خاصة للجيش"، وأن القوات المسلحة هي من "دربتهم وعلمتهم كل شيء، من تجميع الأسلحة وتفكيكها إلى التعامل مع أنواع مختلفة من الأسلحة". وقد نمت الكتيبة بشكل هائل خلال الحرب، متحولة من "كتيبة إلى لواء ثم إلى فيلق" بفضل تدفق المقاتلين الإسلاميين المتطوعين.

 

ويتبنى لواء "البراء" خطاباً إسلاموياً متشدداً، إذ يُنتج مواد دعائية مشبعة بـ "الأناشيد الجهادية" وتتضمن اقتباسات من منظّر الإخوان المتشدد سيد قطب. عناصر اللواء مجندون سابقون في "قوات الدفاع الشعبي" العقائدية التي أسسها البشير. والأخطر هو أنهم يتلقون أوامرهم من قيادات "مدنية خارج القوات المسلحة"، وهذا يعني أن قرار الحرب يصدر من "حزب المؤتمر الوطني" المنحل، وليس من التسلسل القيادي العسكري الرسمي.  

 

السودان بؤرة للتطرف الإقليمي

تفكك الدولة السودانية تحت الحرب يحول البلاد إلى ممر غير محكوم، يهدد أمن الساحل والقرن الأفريقيين. فقد أعاد تراجع السيطرة الحكومية نشاط شبكات الإرهاب الدولية إلى الواجهة. وتمت "إعادة تأهيل" وإطلاق سراح شخصيات مثل عبد الباسط حمزة، وهو رجل أعمال سوداني وممول لهيكل "حماس" العسكري بعد انقلاب 2021، كما دعم "كتائب القسام" علناً. وهذا يشير إلى عودة الأجندة الدولية الإسلامية ويؤكد أن السودان كان تاريخياً مركزاً لتجذير قادة "حماس" وتسهيل وصولهم إلى شبكات تمويل الإرهاب.  

 

ويشير تقرير أممي صادر في تموز/يوليو 2023 إلى أن عمليات تنظيم "داعش" وتمويله في السودان تُشرف عليها شركات واجهة، ويُقدر عدد عناصر "داعش" الناشطين في السودان بين 100 و200 عنصر من أصحاب الخبرات العسكرية، يتولون مهاماً لوجستية ومالية. ويُستخدم السودان معبراً حيوياً للجماعات المتطرفة إلى ليبيا ومالي وغرب أفريقيا. فتفكك الدولة يحول السودان إلى مركز مالي ولوجستي للتطرف، وممر لتصدير عدم الاستقرار إلى منطقة الساحل.  

 

 

دخان يتصاعد بعد غارات لجوية نفذها الجيش السوداني على وسط الخرطوم، 12 أكتوبر 2024. (أ ف ب)
دخان يتصاعد بعد غارات لجوية نفذها الجيش السوداني على وسط الخرطوم، 12 أكتوبر 2024. (أ ف ب)

 

 

كذلك، تسببت الحرب في اضطرابات أمنية على طول الحدود مع جمهورية أفريقيا الوسطى، ما أثر في حركة المرور ورفع أسعار السلع الأساسية، نظراً لاعتماد مدن أفريقيا الوسطى على الإمدادات السودانية. إلى ذلك، فر أكثر من 12 ألف سوداني إلى جمهورية أفريقيا الوسطى الهشة، ما يضيف أعباء هائلة على القدرات الإنسانية المحدودة في المنطقة.  

 

فك الارتباط ووقف التخريب

للحد من الدور التخريبي للإخوان المسلمين وإعادة توجيه بوصلة السودان نحو الاستقرار، لا بد من تفكيك شبكات التمكين الإسلامية داخل الجيش السوداني، وعزل قادته الموالين للبشير والإخوان، فهذا شرط أساسي لأي دعم دولي لعملية السلام. كما ينبغي الضغط لضمان ألا تخضع القيادة العسكرية لأوامر مدنية من خارج السلك العسكري.  

 

كذلك، لا مفر من فرض عقوبات على القيادة السياسية للمؤتمر الوطني المنحل التي تغذي الحرب، ومن تجفيف منابع التمويل الإرهابي من خلال تنسيق عقوبات تستهدف شبكات التمويل الإسلاموية التي تستغل الفوضى، خصوصاً المرتبطة بتمويل "حماس" وعمليات "داعش" في السودان، ومن تصنيف أي تنظيم تابع للمقاومة الشعبية، يتلقى تمويله من الإخوان المسلمين، جماعةً عسكرية غير شرعية، لتفادي تحوله إلى قوة تطيل أمد الحرب.

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/3/2025 12:22:00 PM
لا بد من تفكيك شبكات التمكين الإسلامية داخل الجيش السوداني، وعزل قادته الموالين للإخوان... فهذا شرط أساسي لأي دعم دولي لعملية السلام.
المشرق-العربي 12/3/2025 12:18:00 PM
ياكواف كاتس، وهو أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذه الأسئلة في مقال له، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
المشرق-العربي 12/3/2025 2:17:00 AM
يطالب القرار إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان
سياسة 12/4/2025 10:43:00 AM
أمرت الحكومة العراقية بتجميد جميع أموالهم وأصولهم...