يُلاحق الفشل بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى ليبيا، وسط اتساع رقعة الانتقادات لخطتها للحل السياسي، ما يضع مستقبل عملها على المحك، ويزيد من إرباك المشهد في بلد يعاني فوضى سياسية وأمنية انعكست على وضعه الاقتصادي.

وكانت الموفدة الأممية هانا تيتيه قد كشفت في آب/أغسطس الماضي، عن مشروعها لحل النزاع الليبي، يتضمن مرحلة انتقالية لمدة نحو عام ونصف تنتهي بإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المعطلة منذ عام 2021، لكن مع مرور الأيام لم تظهر آي بوادر على البدء في تنفيذ مراحل الخطة، بل ظهرت تحفظات على تفاصيلها، قبل أن تُعلن تيتيه قبل أيام عن التوقيع على اتفاق مع قطر تمول بمقتضاه الأخيرة تنفيذ خطة الحل السياسي، في خطوة أجمعت على رفضها قطاعات في شرق ليبيا وغربها، فيما أعلنت الحكومة الموازية التي تُسيطر على شرق ليبيا وجنوبها بسببها قطع التعامل مع الموفدة الأمنية .

وأمام عاصفة الانتقادات، خرجت البعثة الأممية عن صمتها، ودافعت في بيان عن اتفاق التمويل مع قطر، مؤكدة أن "المساهمات المالية المقدمة لبرامج البعثة لا تخول أي دور لأي بلد مانح في تحديد اتجاه العملية السياسية، بما في ذلك جدول الأعمال والمشاركون ونتائج العملية"، مشيرة إلى تلقيها تمويلات طوعية من 13 دولة ومنظمة إقليمية لدعم برامجها بما فيها العملية السياسية والمشاركة الاجتماعية منذ عام 2015 من دون أي تدخل. كما أكدت التزامها بـ"عملية سياسية يقودها ويملكها الليبيون وحدهم".

الموفدة الأممية هانا تيتيه

رئيس حزب القمة الليبي عبد الله ناكر يتهم البعثة الأممية بعدم احترام سيادة بلاده واستقلالها، مشيراً لـ"النهار" إلى "ملاحظات عدة على خطة تيتيه للحل السياسي، من بينها شروعها في تشكيل لجان للحوار من دون أن نعلم آلية اختيار أعضائها، كما أن تنفيذ مخرجات هذا الحوار محل شك، وأخيراً تمويل دولة آخرى لحوار محلي ليبي، وهو ما يُثير علامات الاستفهام حول أهدافه". ويقول: "من المعروف أن قطر تقف خلف معسكر تيار إخوان ليبيا، وبالتالي تمويلها قد يوجه لمصلحة هذا الطرف على حساب آخرين". ورأى أن البعثة الأممية "باتت غير مرغوب في استمرارها في ليبيا لأنها أصبحت معضلة لا حلاً".

وبالمثل يُحذر المحلل السياسي محمد أمطيريد من تأثير التمويل القطري على استقلالية العملية السياسية. ويقول لـ"النهار": "لطالما دعمت الدوحة تيار الإسلام السياسي في ليبيا، وبالتالي تُعتبر طرفاً غير محايد."، مضيفاً أن "البعثة الأممية تُقدم قطر هذه المرة، كراعٍ لمسار سياسي، تحت غطاء ناعم يحمل شعار دعم الاستقرار، لكن هذا التحول لا يُغير من الهدف الأساسي، والمتمثل في محاولة التأثير على القرار الليبي عبر بوابة خارجية".

أما المحلل السياسي محمد محفوظ فيصف الهجوم على اتفاقية التمويل القطري بـ"المُبالغ فيه". ويقول لـ"النهار": "قطر دولة مؤثرة منذ 15 سنة. والتمويل الخارجي للبعثة ليس جديداً. هناك تمويلات من الاتحاد الأوروبي، ومن دول كأميركا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وحتى المغرب"، لافتاً إلى "أزمة مالية تعانيها الأمم المتحدة وبالتالي من الطبيعي أن تلجأ البعثة إلى مساهمات طوعية".

‏وإذ يعتقد محفوظ أن الهجوم على اتفاق التمويل "وراءه أهداف سياسية داخلية، إذ إن هناك أطرافاً لا تريد هذا المسار السياسي، لأنها مستفيدة من استمرار الوضع الحالي"، يُشدد على أن بلاده "ليس لديها بديل للمسار الذي تقوده البعثة الأممية… نعم يجب الضغط من أجل ضمان عدم توجيه التمويل لأهداف سياسية، لكن يجب عدم تحويل التمويل إلى ذريعة لإفشال الحوار". ويختم بالقول: "الخطر ليس في قطر وتمويلها بل في الأطراف الليبية التي تُعرقل أي مسار سياسي".